الإعلام بين المهنية والفوضى
د. هاشم احمد بلص
22-11-2025 07:28 PM
شهدت الساحة الإعلامية في الأردن خلال السنوات الأخيرة توسعاً كبيراً بفعل انتشار المنصّات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أتاح المجال أمام الأفراد لنشر الأخبار وصناعة المحتوى دون ضوابط مهنية واضحة، ورغم أن هذا الانفتاح يعزز حرية التعبير(وهي قيمة راسخة في الدستور الأردني)، إلا أنه أدى إلى ظهور فئة من الأشخاص الذين يمارسون دور "الصحفي" أو "الإعلامي" دون تأهيل علمي أو ترخيص مهني، مما أسهم في زيادة الأخبار غير الموثوقة والشائعات، وأثر سلباً على الثقة العامة.
نجد انه مع سهولة الوصول إلى المنصّات الرقمية، أصبح بإمكان أي شخص إنشاء صفحة أو قناة لنشر الأخبار أو التعليق عليها دون المرور بالقنوات المهنية المتمثلة بالجهات الإعلامية المرخّصة، وتتمثل أبرز مظاهر هذه الظاهرة بتقديم البعض أنفسهم كـ"إعلاميين" أو "صحفيين" دون الحصول على بطاقة نقابة الصحفيين أو أي ترخيص قانوني، ويقمون بنشر أخبار متداولة من دون التحقق من مصدرها أو الاعتماد على مصادر مجهولة، كما وانهم يصورون أحداث عامة بطريقة قد تُسيء للأفراد أو تتجاوز خصوصياتهم، والهدف يكون لاستخدام المحتوى الإعلامي كوسيلة لتحقيق الشهرة أو المكاسب المالية عبر الصفحات والوسائل غير المهنية.
مما يؤدي الى كثرة الشائعات التي تخلط الحقائق بالمعلومات غير الدقيقة، الأمر الذي يقلل من مصداقية الإعلام الرسمي والمهني، ويُربك المتلقي، وانتشرت في الأردن حالات تأثرت فيها سمعة أشخاص أو شركات بسبب أخبار غير دقيقة، مما أدى أحياناً إلى مشكلات اجتماعية أو اقتصادية، وخاصة في القضايا المتعلقة بالاقتصاد أو الأمن أو الصحة، حيث قد يتسبب نشر معلومة خاطئة بقلق عام، مثل شائعات ارتفاع الأسعار أو الاضطرابات الأمنية....الخ، مما قد يؤثر على سير بعض التحقيقات أو القرارات الحكومية بنشر معلومات غير دقيقة أو تداول وثائق غير رسمية، مما يعيق عمل الجهات المختصة.
يمتلك الأردن منظومة قانونية واضحة لتنظيم العمل الإعلامي والحد من نشر الشائعات، فقانون المطبوعات والنشر يعدّ القانون الأساسي المنظم للعمل الإعلامي في الأردن، ويشترط ترخيص المواقع الإخبارية لدى هيئة الإعلام وتعيين رئيس تحرير عضو في نقابة الصحفيين، والالتزام بميثاق الشرف الصحفي والمهنية، كما يجرّم نشر معلومات غير صحيحة أو تمسّ بالأمن الوطني أو بالمصلحة العامة.
كما يُعد قانون الجرائم الإلكترونية اليوم من أهم القوانين في مواجهة الأخبار الكاذبة، ويعالج نشر الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وترويج معلومات غير صحيحة من شأنها إثارة الرأي العام أو الإضرار بالوحدة الوطنية، والإساءة للأشخاص أو التشهير بهم إلكترونياً، ويفرض القانون عقوبات قد تشمل غرامات مالية وحبساً في حال ثبوت الضرر.
وإن قانون نقابة الصحفيين يُنظّم من يحق له ممارسة مهنة الصحافة في الأردن، حيث لا يجوز لأي شخص العمل كصحفي محترف دون عضوية النقابة أو اعتماد رسمي، وتمنح النقابة بطاقة صحفية لمن يستوفي شروط الخبرة والتأهيل، وكما وان هيئة الإعلام تشرف على ترخيص المؤسسات والمواقع الإخبارية، ومتابعة المحتوى المخالف، وضبط أي ممارسات إعلامية غير مرخّصة.
لهذا كله فإن التوعية الإعلامية للمواطنين تعزز الثقافة الإعلامية وهي خط الدفاع الأول (ضرورة التأكد من المصدر)، وعدم إعادة نشر أي خبر غير صادر عن جهة رسمية أو مؤسسة إعلامية موثوقة، كما وأن دعم الإعلام المهني الأردني من خلال تعزيز الشفافية، وتوفير المعلومات الرسمية أولاً بأول، وتشجيع المؤسسات على تحسين جودة محتواها، ومن اهم اساليب الرقابة هي تطبيق القانون بحزم على الصفحات غير المرخّصة ومحاسبة من ينتحل صفة صحفي أو يبث أخباراً قد تضر بالمصلحة العامة، وفق قانون الجرائم الإلكترونية والمطبوعات والنشر، الامر الذي يدعو الى تكثيف الدور للجهات الأمنية والقضائية، ومتابعة الشائعات الخطرة التي تؤثر على الأمن المجتمعي، والتحقيق في مصادرها، وإيقاع العقوبات المطلوبة، مثل الحد من انتشار المحتوى المخالف، وإغلاق الصفحات التي تكرر نشر معلومات غير موثوقة.
إن الإعلام في الأردن يلعب دوراً أساسياً في توعية المجتمع وتعزيز الاستقرار، وهو مهنة لها ضوابط أخلاقية وقانونية راسخة، ومع انتشار المنصّات الرقمية وظهور "إعلاميين" غير مهنيين، تبرز الحاجة إلى تمكين الجمهور من التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة، وتفعيل القوانين التي تمنع نشر الشائعات أو ممارسة العمل الإعلامي دون ترخيص،
وبين حرية التعبير من جهة، والحفاظ على الأمن المجتمعي من جهة أخرى، يبقى الإعلام المهني هو السدّ الأساسي لحماية المواطن والمجتمع من مخاطر التضليل والمعلومات غير الدقيقة.