facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إدارة الأزمة بدل حلّها


م. عامر البشير
25-11-2025 02:17 PM

* قراءة نقدية في سياسات البطالة في الأردن

حين تُخفي الأرقام جراح الواقع،استنادًا إلى تقارير منتدى الاستراتيجيات الأردني، وبيانات منظمة العمل الدولية (2024)، ودائرة الإحصاءات العامة – الربع الأول 2025

البطالة… من رقم في تقرير إلى جرح في الحياة اليومية
ليست البطالة في الأردن رقمًا يُسجّل في تقرير رسمي، ولا نسبةً تُعلّق على لوحة عرض في مؤتمر صحفي، البطالة حالةٌ تتسلّل إلى تفاصيل الحياة اليومية بصمتٍ قاسٍ، وتستقرّ حين يتصدّع العقد غير المكتوب بين الإنسان والعمل، بين الكرامة والإنتاج، بين الوطن وأبنائه.
وفي بلدٍ يعلو فيه صوت الأرقام على صوت التجربة المعيشة، تتحوّل الإحصاءات إلى ستارٍ ناعم يُخفي خللًا بنيويًا عميقًا — لا في الاقتصاد وحده، بل في فلسفة الدولة تجاه العمل والعدالة والمواطنة، ومن يراقب تفاصيل الحياة في المدن الأردنية، يدرك سريعًا أن الأرقام لا تقول كل الحقيقة.

مفارقة الأرقام والواقع ... تحسّن لا يراه أحد
ليست الأزمة في الأردن مرتبطة فقط بارتفاع معدلات البطالة، بل بالمفارقة القاسية بين واقعٍ يومي ملموس، وأرقام تُقدَّم بوصفها “تحسنًا”.
حين تُعلن التقارير عن تراجع البطالة، يسأل المواطن بصوتٍ خافت، أين ذهب هذا التراجع؟ ولصالح من كُتب هذا الخبر؟
فالقراءة المتأنية تكشف اقتصادًا ينمو بجهد أيادٍ غير محلية، وبنية عمل لا تعكس الهوية الاجتماعية للبلاد، ولا تلتقي مع هموم أبنائها ولا مصيرهم.

الدولة والسوق... سؤال برسم الاجابة لمن يعمل الاقتصاد؟
القضية ليست صراعًا بين الأردني وغير الأردني، بقدر ما هي سؤال فلسفي وسياسي، لمن يعمل الاقتصاد؟ ولأجل من يُعاد تشكيل السوق؟
حين يشعر المواطن أنه ضيفٌ على مائدة العمل في وطنه، يبدأ المعنى نفسه بالفقدان، وتتحوّل الدولة من مظلة أمان إلى مخاطرة، ومن وعدٍ إلى اختبار يومي.

ازدواجية سوق العمل ... واقعان في دولة واحدة
سوق العمل الأردني يعيش اليوم حالة ازدواجية واضحة:
واقعٌ رسمي مُلمَّع، تُنقَّى فيه الأرقام وتصاغ فيه البيانات بعناية، وواقعٌ آخر خشن، تتسع فيه العمالة غير المنظمة، وتتراكم فيه المخالفات، ويتراجع فيه سلطان القانون لصالح أعرافٍ واقتصاد ظلّ نما بصمت حتى أصبح أحيانًا أقوى من أدوات التنظيم الرسمية.
المشكلة ليست في العامل الوافد بحد ذاته، بل في منظومةٍ سمحت بتضخّم هذا الاقتصاد غير المُراقَب حتى بات يزاحم الاقتصاد المنظَّم وربما يتفوّق عليه.

عندما تتحول الكفاءة إلى ذريعة للهرب من المسؤولية
في الاقتصاد السليم تُقاس قوة الدولة بقدرتها على التوازن بين الإنتاج والعدالة.
لكن ما الذي يحدث حين تتحوّل “الكفاءة” إلى غطاءٍ للهروب من المساءلة؟ وحين يصبح ضعف الرقابة نمطًا مستقرًا في الإدارة؟
عندها تتوقّف التنمية عن خلق فرص مشتركة، وتبدأ في إنتاج تشققات اجتماعية عميقة يصعب ترميمها لاحقًا.

البطالة كأزمة ثقة لا كأزمة دخل
الأردن يقف اليوم عند لحظة مفصلية:
إما أن نستمر في تجميل الأرقام، أو نعترف بأن الواقع يرسل إشارات إنذار واضحة.
البطالة لم تعد أزمة دخل فقط، بل أصبحت أزمة ثقة، ومتى ما تزعزعت الثقة بين المواطن والدولة، تتآكل شرعية الخطط، ويتراجع الإحساس بالانتماء، وتفقد المؤسسات قدرتها على الإقناع.

العمل والكرامة ... حين يصبح الإنسان فائضًا في وطنه
العمل ليس راتبًا فقط، بل هوية ومكان في المجتمع، والكرامة ليست بندًا إحصائيًا، بل شعورٌ داخلي بأن الإنسان ليس فائضًا عن الحاجة في وطنه.
ومع اتساع الاقتصاد غير الرسمي، وتراجع سلطة القانون، يتآكل مفهوم تكافؤ الفرص — وهو أساس أي دولة حديثة.

من إدارة الأزمة إلى إصلاح العلاقة
الحل لا يكون بالإقصاء، ولا بتحميل الفئات الضعيفة عبء الخلل، بل بإعادة بناء البوصلة:
تنظيم سوق العمل،
إدماج العمالة الوافدة ضمن أطر قانونية واضحة أو ترشيد وجودها تدريجيًا، تشديد الرقابة على الاقتصاد الموازي، وربط الحوافز بالإنتاج الحقيقي.
هذه ليست إجراءات تقنية... بل إعادة تعريف للعلاقة بين الاقتصاد والمواطنة.

الاقتصاد غير الرسمي: حين ينافس الظلّ الضوء
تشير بيانات منتدى الاستراتيجيات الأردني إلى أن نحو 77% من العمالة غير المنظمة في الاقتصاد غير الرسمي هم من غير الأردنيين، ويتمركزون في قطاعات الزراعة والإنشاءات والتجارة والخدمات.
الأخطر أن جزءًا كبيرًا من هذه العمالة يستفيد من الدعم والخدمات العامة دون أن يشارك في تمويلها عبر الضرائب أو الضمان الاجتماعي.
وفي عام 2024 بلغت التحويلات المالية إلى الخارج نحو 361.3 مليون دينار.
اقتصادٌ ينزف فرصه، وعملته، وكرامة أبنائه.

آخر خطوط الدفاع عن فكرة الدولة العادلة
توصيات منتدى الاستراتيجيات الأردني ليست ترفًا فكريًا، بل محاولة جدية لحماية فكرة الدولة العادلة:
ضبط سوق العمل، تنظيم العمالة الوافدة، تعزيز الشفافية الإحصائية، وتوجيه الحوافز نحو التشغيل الوطني.
ويبقى السؤال الكبير: هل نملك شجاعة الاعتراف قبل فوات الأوان؟

سياسة بلا بوصلة… وحماية لا ترى الواقع
المفارقة المؤلمة أن استراتيجية الحماية الاجتماعية التي أعلنتها الحكومة مؤخرًا — والتي تقترب كلفتها من 400 مليون دينار — لم تُبنَ على قراءة دقيقة لواقع البطالة.
لم تعترف بأن ما يقارب نصف الطاقة الإنتاجية في الأردن، وعلى رأسها النساء، ما تزال خارج دائرة الإنتاج بفعل اختلالات بنيوية مستمرة وأدوات تنفيذ ضعيفة.
وهكذا تتحول الحماية التي لا ترى الواقع إلى إدارة للأزمة لا علاج لها.

حين تريد الدولة ...
حين أرادت الحكومة مواجهة التهرّب الضريبي، أبدعت.
ابتكرت نظام الفوترة، أغلقت منافذ المال الهارب، وحوّلت كل مواطن، بوعي أو بغيره، إلى جابي ضرائب يعمل لصالح الخزينة.
في تلك اللحظة لم يكن العجز خيارًا، ولا الفوضى قدرًا، كانت الإرادة حاضرة.
لكن الغريب ليس فيما فعلته حين أرادت… بل فيما لم تفعله حين نريد نحن.
هناك، حين يكون الوجع اجتماعيًا، تتباطأ الخطوات، وتتراكم اللجان، وتتضخم الأعذار.

أزمة إرادة لا أزمة أدوات
الدولة التي تُثبت قدرتها حين تريد، ولا تتحرك حين يُطلب منها، لا تعاني من نقص في الأدوات، بل من خلل في الأولويات.
المشكلة ليست في القانون، بل في البوصلة، فالعدالة لا تعني فقط ضبط المال، بل فتح الطريق أمام الكرامة.
وليست جهاز تحصيل، بل مؤسسة إنصاف.

الحماية الاجتماعية: حين تتحول المظلة إلى وهم
عندما تُبنى سياسات الحماية على قراءة ناقصة للواقع، تتحول من مظلة أمان إلى وهمٍ مكلف.
الدولة التي لا ترى جراح سوق العمل، ولا تعترف بتعطيل نصف طاقتها الإنتاجية، لا تحمي المجتمع… بل تُدير تآكله.

الخاتمة: اختبار أخلاقي للدولة
في النهاية، البطالة في الأردن لم تعد أزمة عمل فقط، بل أصبحت اختبارًا أخلاقيًا للفكرة ذاتها:
إما شجاعة الاعتراف…
أو الاستمرار في إدارة التآكل حتى الصمت.
وفي ظل سياساتٍ لا تُطعِم حنكًا…
ولا تسدّ رمقًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :