facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لماذا أحبَّ الفلسطينيون وصفي التل؟


د. محمد حيدر محيلان
29-11-2025 12:50 PM

ليس سرًّا أن صورة وصفي التل في الذاكرة الفلسطينية أكثر تعقيدًا وثراءً مما يظن بعض الناس. فحين يعود الفلسطينيون إلى الوثائق والروايات والشهادات، يجدون رجلًا كان حاضرًا في فلسطين نفسها، على أرضها، بين مقاتليها، منحازًا لحقّها ومؤمنًا بعدالة قضيتها.
ولذلك أحبّه الفلسطينيون الأحرار… لأنهم عرفوه أكثر ممّا عُرِف عنه، ورأوا صدقه على الأرض لا في الخطب.

لم تكن علاقة وصفي التل بفلسطين علاقة مسؤول من خلف مكتب، بل علاقة رجل حمل بندقيته وشارك المقاتلين على الأرض.
دخل فلسطين في أربعينيات القرن الماضي ضمن صفوف الجيش العربي، وشهد المعارك المباشرة، وتعرّف إلى جراح الناس وآمالهم، ونقل تفاصيل ما يحدث بعيون من عاش الحدث لا من سمع عنه.

هذا الوجود المبكر جعله يرى القضية من زاوية مختلفة: زاوية من يدرك أن فلسطين ليست شعارًا بل دمًا وبيوتًا وناسًا يدافعون عن حقهم الطبيعي في الحياة.

في التقارير التي كتبها وصفي التل في القدس واللطرون والقرى الفلسطينية، تظهر شخصية رجل صريح، لا يجامل أحدًا على حساب الحقيقة.
كان يكتب بوضوح عن أوجه القصور، وعن الحاجة لتنظيم الجهود، وعن أهمية بناء عمل مقاوم منضبط يحمي الفلسطينيين بدل أن يورّطهم في معارك غير محسوبة.
كان مقتنعًا أن تحرير فلسطين يحتاج تخطيطًا لا فوضى، ووحدة لا انقسامًا، واستراتيجية لا انفعالًا.

ولأن الفلسطينيين الأحرار قرؤوا تلك الرسائل لاحقًا، أدركوا أن الرجل كان صادقًا في نصيحته، نزيهًا في موقفه، وغيورًا على فلسطين بقدر غيرته على الأردن.

عرف عن وصفي أنه كان ينتقد — في رسائل مكتوبة ومحاضرات خاصة — بعض العروبيين والمدعيين لحب فلسطين والتي كانت تبقى بعيدة عن ميادين القتال بينما يقدّم الفلسطينيون وحدهم دمهم.
كان يقول بوضوح إن من يرفع الشعارات من بعيد لا يحمي شعبًا، ولن يحرر اوطان مغتصبة وإن المعركة ليست قصيدة حماسية، ولا خطاب انفعالي ،بل مسؤولية وقرار ودفع ثمن .

هذه الصراحة جعلت كثيرًا من الفلسطينيين يحترمون الرجل، لأنه لم يبارك الوهم، ولم يصفّق للخطابات الخالية من العمل، بل طالب بأن تكون فلسطين معركة الجميع لا معركة شعب واحد.

ما اكتشفه كثير من الفلسطينيين لاحقًا هو أن وصفي التل لم يكن سياسيًا يتعامل مع قضيتهم كبطاقة شعبية، بل كان رجلًا عربيًا منحازًا لهم بصدق. فهو من وقف على ترابهــم، وسمع قصصهم، وعايش مقاتليهم، فكيف يكون بعيدًا عنهم.

ولذلك حفظوا له موقفه النزيه، وإن لم تظهر تلك المحبة في زمن الضجيج السياسي، واختلاط الاوراق ، والادوار، وطمس الحقائق ، فإنها ظهرت بقوة عندما هدأت الأصوات وبقيت الحقائق، وعرفوا حقيقة الرجل وصدق وطهر نواياه.

لم يكن حب الفلسطينيين لوصفي التل وليد خطاب سياسي، بل نتيجة معرفة رجل شاركهم المعركة، ودافع عنهم، وكتب عنهم بصدق، وعاتب من خذلهم، وطالب بوحدة دمهم ودم الأردنيين. اكتشف الفلسطينيون فيه نموذجًا لا يتكرر بسهولة: رجلًا منضبطًا، شجاعًا، صريحًا، لا يساوم على القضية ولا يحمّل الفلسطينيين ما لا يطيقون.

أحبّ الفلسطينيون وصفي التل لأنهم رأوا فيه صوت الحقيقة في زمنٍ ارتفع فيه خطاب الشعارات والكذب والتدليس، مما أضاع شعب وأسلب ارض وشتت أمة.

ولأنهم عرفوا أنه حمل فلسطين في قلبه قبل أن يحملها في خطابه، وأنه وقف على أرضها وقاتل فيها قبل أن يصبح رمزًا وطنيًا. ولأنهم أدركوا أن الرجل كان وفيًّا لقضايا الأمة، ثابتًا على مواقفه، صادقًا في رؤيته… أحب فلسطين كما احب الاردن، فبادلوه حب الرجال للرجال والاوفياء للاوفياء الذي يبقى بعد رحيل الرجال وبقاء أثرهم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :