وصفي التل .. إرث الرجال أم صور على الجدران
د. رندة نايف ابوحمور
29-11-2025 03:35 PM
"فوق التل، تحت التل، إحنا رجالك…"
عبارة تهتف بها الحناجر، لكنها في لحظة صدق تتحول إلى سؤال مرير: هل ما زلنا رجال وصفي؟ أم أننا اكتفينا بالأغاني بينما ضاعت الرجولة السياسية التي عبر عنها، وفقدنا الجرأة التي سلكها طريقا؟
الأردن على مفترق، بين التاريخ والفراغ القيادي.
الأردن اليوم بحاجة إلى رجال، لا إلى شعارات. بحاجة إلى صناع قرار، لا مهرجين سياسيين. بحاجة إلى من يضع الوطن فوق الحسابات الشخصية، ويؤمن أن المنصب تكليف لا تشريف.
وصفي التل لم يكن اسما يردد في المناسبات؛ كان رجل مرحلة، قائد رؤية، وصوتا لا يعرف الالتفاف. لم يكن ينتمي إلى مدرسة المساومة ولا مدرسة التجميل السياسي. كان ينتمي إلى مدرسة الحق، وهي المدرسة التي استمدت روحها من القيادة الهاشمية، من إرث من حملوا راية العروبة قولا وفعلا.
عروبية وصفي التل، نهج لا شعار
ما يجهله الكثيرون، أو يتناسونه عمدا، أن وصفي التل لم يكن عروبيا بحماسة شعرية أو بحماس عاطفي. لم يكن يرفع شعار “القومية العربية” ليكسب شعبية أو ليغازل شارعا.
عروبية وصفي التل كانت سياسية، أخلاقية، عملية، وكانت نابعة من نهج الحكم الهاشمي في #الأردن، نهج حمل عروبة القدس، وعروبة الهوية، وعروبة التحرر، لا عروبة الشعار الفارغ.
لقد رأى وصفي في القيادة الهاشمية نموذجا للثبات، “عروبة الفعل لا عروبة الهتاف”، ووجد فيها الإطار الذي تصان فيه الكرامة الوطنية، وترفع فيه راية العدل، وتحفظ فيه الأرض والإنسان.
وهذا ما جعل عروبته مختلفة، راسخة، صادقة.
الأغاني والشعارات، هل أصبحت بديلا عن الفعل؟
ما يثير الأسى اليوم هو أن الكثيرين اكتفوا بترديد:
“فوق التل، تحت التل، إحنا رجالك…”
بينما الواقع يثبت أن الرجال قلوا، وأن الجرأة أصبحت نادرة، وأن مصلحة الوطن أصبحت في آخر قائمة الأولويات.
نرى قرارات مترددة، مصالح متداخلة، غياب رؤية، وصوتا عاما يتخبط بين الإحباط والصبر. مشاريع تتعثر، إصلاحات تتأجل، وحقوق ترحل من عام إلى آخر.
هل يمكن لوطن أن يتقدم بشعارات فقط؟
هل تبنى الدول بأغان؟
هل يحمى الأردن بأصوات لا تملك الشجاعة لاتخاذ القرار؟
الإرث الحقيقي للرجال، أثر لا صورة، إرث الرجال لا يقاس بالصور على الجدران، ولا بالتماثيل في الساحات، ولا بالمؤتمرات التي تستعرض الماضي.
الإرث يقاس بالفعل.
بالحكمة عند الأزمة.
بالجرأة عند الموقف.
بالتضحية عند الحاجة.
وصفي ترك إرثا من الفعل، إرثا من العروبة الصادقة، إرثا من الثبات السياسي المستمد من الهاشميين، ممن جعلوا الأردن وطنا محترما بين الأمم، رغم قلة الموارد وكثرة التحديات.
الوطن لا ينتظر، والتاريخ لا يرحم.
الأردن اليوم أمام تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية لم تعد تحتمل التأجيل.
والشعب لم يعد يحتمل الانتظار الطويل بلا نتائج، ولا الكلام بلا فعل.
البلاد بحاجة إلى رجال، رجال يعرفون معنى الدولة، رجال يحمون إرث وصفي لا بأغنية، بل بقرار.
واخيرا، هل بقي الرجال؟
السؤال ليس مجرد كلمات في مقال، ولا هو نداء عاطفي في ذكرى.
السؤال امتحان.
والإجابة ليست شعرا، بل فعلا. هل بقي الرجال؟
هل بقي من يحمل عروبة وصفي التي جاءت من نهج الهاشميين وثباتهم؟
هل بقي من يضع الأردن قبل نفسه؟
هل بقي من لا يخشى اتخاذ القرار؟
الأردن يستحق رجالا، لا صورا على الجدران، ولا أصواتا في الهتاف.