facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قرية الوصفية .. قصة وفاء وحب لوصفي بمباركة هاشمية


د. محمد حيدر محيلان
30-11-2025 08:55 AM

‎وُلدت الوصفية من علاقة وفاء وذاكرة عميقة بين وصفي التل وسوم وأهلها من عشيرة المراشدة. فهي ليست مجرد قرية في غرب إربد، بل هي خلاصة حكاية ممتدة عبر ثلاثة أجيال، بدأت من جدته (مريم الجابر المراشدة)، لابيه مصطفى وهبي التل عرار ، وتعززت في طفولة والده مصطفى ، واكتملت في صبا وصفي وحياته العامة، وانتهت إلى تخليد اسمه في أرض حملته محبةً وانتماءً.
 
‎كانت سوم هي الموطن الأول لحكاية وصفي، قرية ريفية واسعة الامتداد، اختزن أهلها قيم الكرم والهيبة والنخوة. وفيها نشأت (مريم الجابر المراشدة)، الجدّة الاصيلة والنشمية الاردنية التي تتصف بإباء وشموخ وانفة الاردنيات الحرائر ، التي ورث عنها عرار ووصفي الكثير من صفات وشموخ الريف الاردني الأصيل. وحين تزوّجت مريم المراشدة من الشيخ صالح المصطفى التل ، أحد كبار وجهاء إربد ومحاميها المعروفين، انتقلت إلى بيته في المدينة، فصار بيتها من أهم بيوت الكرم والجاه في إربد، ومقصداً للوجهاء والقضاة والضيوف. وفي ذلك البيت، الذي جمع أصالة سوم وحضارة إربد، نشأ عرار وتكوّنت شخصيته المتوازنة بين الريف والمدينة، ثم ورث وصفي هذا التكوين المزدوج عندما عرف جدّته وجده وتشرّب منهما القيم الاردنية النبيلة التي رافقته طوال حياته.
 
‎وعلى امتداد حياته، ظل وصفي مرتبطًا بسوم ارتباط الابن بعائلته الكبيرة، لا ارتباط الضيف بقرية يمرّ بها زائراً. كان يأتيها طفلًا وشابًا ورجلًا، يقيم في بيوت المراشدة وعشائر سوم ، ويجالس كبارهم، ويصادق أبناءها، ويستعيد فيها سكينة الطفولة وصدق الريف. - كما كان حين تسنم رئاسة الوزراء يعتبر الاردن كلها وطنه وعشائرها كلها عشيرته- ، وكان أهل سوم يرونه منهم، لا مجرد زائر؛ فهم عرفوه صغيرًا، وأحبوه شابًا، ووقفوا معه رجلًا، وحزنوا عليه يوم استشهاده كما تحزن العائلة على ابنها ، فنكسوا شماغهم وتلثموا بحزنهم ، وصبروا عند تلقي الخبر الفاجعة محتسبين ذلك المصاب عند ربهم، وواعدين بالوفاء لابنهم ولو باقل صور الوفاء، بتخليد ذلك الحب والعلاقة لكيان يحمل اسم وصفي .
 
‎وكان من بين هؤلاء الاوفياء ورفاق وصفي في سوم (الشيخ صادق محمود محيلان المراشدة ابو محمود)، رفيق طفولته وصباه في الشباب والكهولة وصديق باقي عمره حتى استشهاده. جمعتهما مدرسة الرشدية في إربد(حسن كامل الصباح فيما بعد) ، ورافقهما فيها أصدقاء أصبحوا من أعلام الأردن، مثل حمد الفرحان وشفيق ارشيدات وقاضي التمييز محمد الناصر، ومحمد البشير الغزاوي. ومحمد الروسان (الفلاح) وغيرهم الكثير ، . وعلى الرغم من أن صادق محيلان اتجه إلى العمل التجاري، فإنه بقي وطنيًا صادقًا ثابتًا مثل وصفي، يحمل همّ الأردن وفلسطين، ويساهم في حل النزاعات العشائرية وبناء النسيج الاجتماعي، ويقف انحيازًا للمظلومين والضعفاء. وقد ظلت صداقتهما نموذجًا نادرًا لرفاق العمر الذين لا تغيرهم المناصب ولا تبدلهم الأيام.يذكرها اهل اربد من ذلك الرعيل ويضربون فيها المثل الاعلى بالوفاء.
 
‎ولم يكن ارتباط وصفي بسوم واهلها مجرد علاقة انسانية، ونسب ، بل علاقة ذاكرة حيّة ، وتفاعل فكري وثقافي وقيم نبيلة . فقد كان يعود إليها كلما أثقله العمل أو ضاقت عليه السياسة، يجلس في ديوان المراشدة، يتسامر مع رجالها، ويستمد من صدقهم راحة قلما يجدها في أي مكان آخر. وقبل وصفي، كان والده عرار يفعل الأمر نفسه، يعود إلى سوم ليستعيد دفء خؤولته ويجد فيها امتداد طفولته.ومتنفساً وراحة من ضيق العمل وضغط الواجبات الرسمية.
 
‎وفي سنة 1973 بُنيت المدرسة التي ستصبح لاحقًا أول معلم يحمل اسم الوصفية، وكانت تُعرف حينها باسم مدرسة مثلث سوم – زحر. وبعد تأسيس القرية، تغيّر اسمها إلى مدرسة الوصفية الأساسية المختلطة، لتكون شاهداً مبكرًا على ولادة القرية قبل اكتمال شكلها الرسمي.
 
‎وحين استشهد وصفي التل عام 1971، لم يكن حزن سوم حزن منطقة على رجل دولة؛ كان حزن العائلة على ابنها. وفجيعة القوم على رفيق صباهم ، الذي قاسمهم العيش والملح ، وعاش ايامهم حرها وقرها فرحها وبؤسها، ومن هنا تولدت فكرة تخليد اسمه، فبادر الشيخ صادق محيلان المراشدة ومعه وجهاء المراشدة إلى التقدم بطلب رسمي لإنشاء قرية تحمل اسم وصفي. ولم يتأخر جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال في مباركة هذا الوفاء الشعبي، فصدرت الإرادة الملكية السامية بتاريخ 2 تشرين الأول 1977 باعتماد اسم الوصفية. كانت تلك الإرادة اعترافًا من القيادة الهاشمية بقيمة الرجل، وتقديرًا لمحبة الناس له، واحترامًا لوفاء أهل سوم لابنهم وصفي.
 
‎ثم ارتأى ابو محمود ورجال عشيرة المراشدة ، أن يبنوا مسجداً باسم الشهيد وصفي التل، ليكون مركزًا روحيًا يتذكرون فيه اسمه خمس مرات في اليوم، ويترحمون عليه ويظل عنوانًا شاخصًا لتاريخ الرجل وذكراه في وعي الناس. وأصبحت الوصفية اليوم واحدة من قرى منطقة بلدية غرب إربد، التي تضم كفريوبا، ناطفة، هام، جمحة، بيت يافا، سوم، الوصفية، زحر، كفررحتا، ججين، ودوقرة، ويزيد عدد سكانها على مئة ألف نسمة.وتشتهر بكروم الزيتون والعمران الحديث والهواء العذب .
 
‎هكذا هي حكاية الوصفية: قرية ولدت من محبة حقيقية، نشأت من ذاكرة عشيرة كبيرة، ورعتها الإرادة الهاشمية المظفرة ، وتحوّلت إلى شاهد جغرافي خالد على رجل أحبّ الأردن حتى الشهادة، فأحبّه الأردنيون حتى منحوه قرية تحمل اسمه في أرض خؤولته وبين أهله.رحم الله وصفي والحسين وكل رجالات الاردن الطيبين الذين نذروا انفسهم للاردن واهله ودفعوا ارواحهم رخيصة ليبقى الاردن عزيزا شامخا وأبياً





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :