التجديد في النهضة الوطنية من منظور الفكر المحافظ الاردني
د. بركات النمر العبادي
01-12-2025 10:59 AM
* نحو استعادة الفاعلية الوطنية و تعزيز بناء دولة راسخة وقويه
ينظر الفكر المحافظ إلى النهضة الوطنية بوصفها حركة ارتقاء لا حركة قطيعة ؛ إذ إنّ الجذور هي التي تمنح الشجرة القدرة على الصمود ، فيما تمنحها الأغصان القدرة على النمو، فالتجديد في النهضة الوطنية ليس دعوة لنسف التراث أو تبديل الهوية ، بل هو محاولة واعية لإعادة تفعيل العناصر الصلبة في الدولة والمجتمع ، وتحديث أدواتها بما ينسجم مع روح العصر دون المساس بجوهر القيم.
ومن هذا المنظور، تصبح النهضة مشروعًا يوازن بين الثبات والتحول، بين الهوية والتطور، بين الاستقرار والابتكار، فالمحافظة هنا ليست موقفًا دفاعيًا ، بل قوة عقلانية تبحث عن المستقبل من داخل القيم ، لا من خارجها.
أولاً: معنى التجديد في الإطار المحافظ
يرى الفكر المحافظ أن أي تجديد ناجح يقوم على ثلاثة مرتكزات:
1. ثبات القيم الكبرى
القيم الوطنية ، واحترام القانون ، والهوية التاريخية ، والولاء للبلد او الدولة ، فهذه لا تُمسّ. إنها أساس البناء.
2. مرونة الأدوات والسياسات
يمكن تغيير أدوات الإدارة والتنمية وطُرق التنظيم السياسي والاقتصادي بما يحقق الصالح العام ، دون المسّ بالأسس الأخلاقية أو المعايير الوطنية.
3. تطور تدريجي وليس صدامي
التجديد المحافظ لا يؤمن بالانقلابات الفكرية ، بل بالتغيير المتدرج المنضبط الذي يصون الاستقرار ويمنع الفوضى.
وعليه ؛ فإن التجديد الوطني ليس ثورة على الماضي ، بل تطوير له وإعادة توظيفه في بناء مجتمع أكثر كفاءة وقدرة.
ثانيًا: لماذا يحتاج المشروع الوطني إلى التجديد المحافظ؟
من منظور الفكر المحافظ ، تحتاج النهضة الوطنية إلى التجديد للأسباب التالية:
1. لأن الاستقرار شرط النمو
لا يمكن لأي مشروع تنموي أن ينجح في بيئة مضطربة سياسيًا أو اجتماعيًا ، التجديد المحافظ يعمل على تقوية مؤسسات الدولة وتعزيز الشرعية والهوية الوطنية.
2. لأن العالم يتغير بسرعة
التكنولوجيا ، الاقتصاد ، العلاقات الدولية… كلها تتطور بوتيرة هائلة.
المحافظة العقلانية ترى ضرورة الانخراط في هذه التحولات دون أن نفقد قيمنا.
3. لأن المجتمع يحتاج إلى إعادة تنظيم
التحديات الاقتصادية ، الفجوة بين التعليم وسوق العمل ، التحولات الثقافية…
كلها تتطلب تجديدًا يعيد بناء العقد الاجتماعي على أساس المشاركة والمسؤولية.
ثالثًا: مرتكزات التجديد من منظور الفكر المحافظ
1- تجديد القيم وتثبيت الهوية
الفكر المحافظ يرى أن النهضة تبدأ من الداخل ، من منظومة القيم نفسها:
• سيادة القانون.
• تقدير العمل والإنجاز.
• تعزيز الهوية الوطنية فوق كل الانتماءات الضيقة.
• احترام المؤسسات الدستورية.
إنه يرى أن أزمة النهضة ليست أزمة موارد ، بل أزمة قيم وإرادة.
2- تجديد مؤسسات الدولة
التجديد المحافظ لا يدعو لنسف البنية المؤسسية ، بل لتقويتها:
• تحديث الإدارة العامة.
• مكافحة الفساد بأساليب مؤسسية لا بشعارات.
• تطوير التشريعات بما يخدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
• تعزيز دور القضاء والإعلام المسؤول.
3- تجديد الاقتصاد مع الحفاظ على التوازن الاجتماعي
النهضة الاقتصادية عند المحافظين تقوم على:
• اقتصاد إنتاجي لا ريعي.
• تشجيع المشاريع الوطنية.
• دمج قيم النزاهة والمسؤولية في السوق.
• حماية الطبقة المتوسطة بوصفها ركيزة الاستقرار.
4- تجديد الحياة السياسية دون المساس بالثوابت
الفكر المحافظ يدعم:
• حياة حزبية مسؤولة لا صدامية.
• توجيه المشاركة السياسية نحو البناء لا المزاودة.
• تقوية الهوية الوطنية بوصفها الإطار الذي يحكم الحريات والتعددية.
• تطوير آليات الرقابة والمساءلة.
رابعًا: التجديد المحافظ في السياق الأردني
تقدّم التجربة الأردنية مثالًا على النهضة التدريجية الهادئة التي يراها الفكر المحافظ الطريق الأكثر واقعية وفاعلية:
• تحديث المنظومة السياسية بشكل متدرج ومنضبط.
• تعزيز الهوية الوطنية في مواجهة الخطابات الهوياتية الفرعية.
• التركيز على الأمن والاستقرار كشرط للنمو الاقتصادي.
• دعم الشباب وتمكينهم ضمن إطار وطني واضح.
• فتح المجال للإصلاح الاقتصادي دون التفريط بالمكتسبات الاجتماعية.
إنّ المملكة الأردنية الهاشمية تبني نموذجًا محافظًا حديثًا: يحمي الدولة ويجدد آلياتها دون المساس بجوهرها.
خامسًا: التجديد المحافظ بوصفه مشروعًا حضاريًا
الفكر المحافظ لا يريد دولة جامدة ، ولا مجتمعًا مقلدًا ، بل يريد مشروعًا نهضويًا يقوم على:
1. دولة قوية وفعّالة
تحمي القانون وتضمن الاستقرار.
2. مجتمع متماسك
يعتزّ بهويته ويمتلك قدرة العمل والإنتاج.
3. اقتصاد تنافسي
يواكب العالم دون تفريط بالخصوصية الوطنية.
4. ثقافة سياسية رشيدة
ترى في الوطن قيمة أعلى من الصراعات الفرعية.
وفي الختام يعد التجديد من منظور الفكر المحافظ ليس محاولة لإعادة اختراع الدولة ، بل لإعادة تنشيط قدراتها ؛ وليس دعوة لطمس الماضي ، بل لقراءة حكمته.
إنه نهج يربط بين الأصالة والحداثة ، بين الاستقرار والطموح ، بين الثبات والتطور، والأمم التي تجمع بين جذور راسخة وفروع تتجه نحو السماء ، هي الأمم التي تملك القدرة على العبور إلى المستقبل بسلام وفعالية.
حمى الله الاردن وسدد على طريق الخير خطاه
* حزب المحافظين الاردني