facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هؤلاء الأردنيون .. أبو محمد الحياري مثال على مروءة لا تنطفئ


صالح الشرّاب العبادي
02-12-2025 01:00 AM

أحيانًا، لا تحتاج إلى خطابات طويلة أو مواعظ عن الأخلاق كي تكتشف جوهر الناس… يكفي موقف صغير، عابر، يحدث في الطريق، ليكشف معدن الرجال، وليقول لك دون خطبةٍ أو بيان: لسّا الدنيا بخير.

كنتُ في جامعة البلقاء؛ هذه الجامعة التي أُجِلّها وأحترمها، والتي تقف على سفوح السلط الغربية كأنها تفتح ذراعيها لجِبال فلسطين. أوقفتُ سيارتي، أنجزت ما جئتُ لأجله، وعدتُ لأجد السيارة رافضةً أن تتحرك، وإشارة تخبرني بطارية المفاتح انتهت. خرجتُ إلى باب الجامعة، أسأل أحد رجال الأمن:
“وين بقدر ألاقي بطارية مفتاح؟”
فأجابني: “صعب تلاقي هون… بدك تروح على وادي الريح، وبصراحة بحاجة سيارة تودّيك وتجيبك.”

وقفت على الشارع، وأشرت بيدي ، فجأة توقّف “بك أب دبل كبين” أسود، وفتح صاحبه الباب: “اتفضل يا خوي.”
قلت له: “السيارة مش راضية تشتغل، وبدي أروح أغير بطارية المفتاح ، ما لقيت هون ، قالوا إلا عند المحلات اللي بوادي الريح ”
قال: “اطلع… ولا تشيل هم.”

ركبتُ، لأجد رجلاً بملامح طيبة وحياء هادئ، متوسط العمر، ومعه ابنه، ولعلّه قادم من مزرعته او بيته الذي عرفت فيما بعد انه بجانب الجامعة، عرفته باسمي . ما إن تحرك حتى توقف ثانية وقال: “بعد إذنك… بدي آخذ أم العيال، مخلّصة من دار القرآن.”

تحركنا نحو وادي الريح. تبادلنا أطراف الحديث، سألني عن أقارب لي في ماحص وبدر الجديدة، وسألته عن رجال نحمل لهم التقدير والمعزة والاحترام : الباشا محمد دوجان الحياري، والصحفي سمير الحياري صاحب هذا الموقع الموقر الذي انشر من خلاله ، وآخرين من أصحاب المروءة اعرفهم جميعاً بطيبتهم وكرمهم وأخلاقهم . كان يعرفهم، ويثني عليهم، وكأن قلوب الأردنيين كتاب مفتوح لبعضها.

وصلنا المحل. نزلتُ وغيرت البطارية، والرجل واقف ينتظر… لا استعجل، ولا تضجّر، ولا كلمة “يلا”… بل بالعكس، كأنه صاحب المهمة وليس أنا.

رجع بي إلى باب الجامعة.
قلت له: “وين كانت وجهتك أصلاً يا أبو محمد؟”
قال: “أنا ساكن بحد الجامعة! ورحت معك نحل مشكلة السيارة ”
قلت له: “يا رجل أنا غلبتك ، الله يسامحك ”
فابتسم ابتسامة هادئة وقال الجملة التي تختصر الأردن كله:
“وَحّد الله… كيف أخليك توقف بالشارع ؟ الناس لبعضها.”

هذا هو الأردني… لا يحتاج بطاقة تعريف، ولا مقدمة خطبة.
هذا ابن بلد يعرف معنى الجيرة، ومعنى الكرامة، ومعنى أن لا يترك أخاه في الموقف.

شكرته، ورغم إصراره أن أتغدى عنده، تركته على وعد أنني معزبه في في بدر الجديدة.
وما إن دخلت الجامعة حتى قال لي رجل الأمن: “لقيت بطارية للمفتاح!”
ضحكتُ وقلت: “الله يرضى عليك… وصلني الغانم أبو محمد الحياري لوادي الريح ورجعني وهو داره بحد الجامعة ”
فقال الرجل: “لسّا الدنيا بخير.”

نعم… لسّا الدنيا بخير. بخير ما دام فيها رجال مثل أبو محمد الحياري وأمثاله: رجالٌ لا يُعلّقون نخوتهم على باب الظروف، ولا يتركون الطيبة تُصدأ.
رجالٌ إذا شافوا محتاجًا أعطوه من وقتهم قبل مالهم، ومن شهامتهم قبل كلماتهم.

هذه ليست قصة سيارة وبطارية مفتاح…
هذه قصة بلد.
قصة رجال إذا قالوا “تفضل” فتحوا قلوبهم قبل أبواب سياراتهم.
قصة مروءة تمشي على الأرض… وكرامة لا تتصنّع… ونخوة تورَّث ولا تُدرَّس.

هؤلاء هم الأردنيون.
وهذا هو الوطن حين يختصر نفسه في رجل واحد اسمه: أبو محمد الحياري.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :