الديمقراطية الاجتماعية رؤية متناغمة مع طبيعة الوطن واحتياجات المواطن
المحامي الدكتور هيثم عريفج
06-12-2025 03:17 PM
يشهد الأردن، في ظل تحدياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإقليمية، نقاشًا متزايدًا حول النماذج القادرة على حماية الدولة وتعزيز العدالة الاجتماعية وتمكين المواطن. وفي هذا السياق، تبرز الديمقراطية الاجتماعية كنموذج متوازن يجمع بين قيم الحرية والعدالة، ويقدّم رؤية واقعية تتناسب مع طبيعة الأردن وخصوصيته، كما تنسجم مع مشروع اليسار الديمقراطي الوطني الذي يضع الأردن فوق أي اعتبارات أيديولوجية.
الديمقراطية الاجتماعية ليست مجرد فكرة سياسية، بل نهج شامل يقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية:
1. ديمقراطية سياسية كاملة تقوم على سيادة القانون، والتعددية، والمشاركة الشعبية، واستقلال وتوازن المؤسسات والسلطات.
2. عدالة اجتماعية واقتصادية تسعى لتقليل الفجوة الطبقية، وتمكين الطبقة الوسطى، وحماية الفئات الأقل حظًا.
3. اقتصاد سوق منظم يسمح للنشاط الاقتصادي بالازدهار تحت رقابة وتشريعات تمنع الاحتكار وتحمي المصالح الوطنية.
هي صيغة تجعل الدولة قوية بالمؤسسات، والمجتمع قويًا بالحقوق، والاقتصاد قويًا بالعدالة.
تنسجم الديمقراطية الاجتماعية مع طبيعة الأردن لعدة عوامل أهمها
1. الأردن دولة ذات نظام سياسي مستقر ومؤسسات راسخة ،فالنظام الأردني، المبني على الشرعية الدستورية والقيادة الهاشمية، يوفر بيئة مناسبة لنموذج الديمقراطية الاجتماعية، الذي بدوره يعزز المشاركة السياسية ويحمي الوطن من اي تطرف أوتقلبات. هذا النموذج لا يتعارض مع طبيعة الحكم، بل يقوّي بنيته ويعزز ثقة المواطن بالدولة.
2. الحاجة لمعالجة التحديات الاقتصادية الصعبة. إذ يواجه الأردن تحديات مزمنة من بطالة، والفقر، وتراجع في الطبقة الوسطى، وارتفاع تكاليف المعيشة.
وهنا نقول أن الديمقراطية الاجتماعية تقدم حلولًا واقعية تقوم على:
إصلاح النظام الضريبي لصالح الطبقات المنتجة.
دعم الاستثمار الإنتاجي بدل الريعي.
توفير فرص عمل حقيقية.
تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية.
تطوير التعليم والصحة والخدمات الأساسية مثل النقل .
هذه الحلول ليست شعارات، بل أدوات عملية لاستعادة التوازن الاقتصادي وتمكين المواطن.
3. الأردن مجتمع متنوّع… والديمقراطية الاجتماعية تحوّل تنوعه إلى مصدر قوة ، يتكوّن الأردن من عشائر، ومدن، وريف، ومخيمات، ومكوّنات اجتماعية وثقافية متعددة. وهذا التنوع ليس حالة عرضية، بل عنصر أصيل في الهوية الوطنية.
وتأتي الديمقراطية الاجتماعية لتقدّم مقاربة مختلفة: فهي لا تلغي تعدد الخلفيات الاجتماعية أو تحاول صهرها في إطار واحد، بل تحوّلها إلى رصيد وطني يمكن البناء عليه.
هذا التنوع يمكن ان يتجول إلى قوة من خلال
1. المساواة في المواطنة:
الديمقراطية الاجتماعية تضع الجميع تحت مظلة حقوق وواجبات واحدة، مما يمنع الإقصاء ويخلق انتماءً وطنيًا يتجاوز العصبيات.
2. الاعتراف بالاختلاف:
أن تعدد الخلفيات يعني تعدد الخبرات والقدرات، ما يثري الحياة السياسية ويعزز جودة القرارات العامة.
3. تحويل الاختلاف إلى تكامل:
عندما يشعر كل مكوّن اجتماعي بأنه شريك في الوطن، يصبح الجميع جزءًا من منظومة حماية الدولة واستقرارها.
4. سياسات عادلة تقلل الاحتقان:
العدالة في الخدمات والفرص تمنع الفجوة الاجتماعية من التحول إلى نزاعات أو تهميش.
وبذلك، يصبح التنوع الأردني مصدر قوة وطنية يعزز التماسك والاستقرار بدل أن يكون مدخلًا للانقسام.
الديمقراطية الاجتماعية تقدم حلولًا مباشرة لمطالب المواطن اليومية ومنها:
1. فرص عمل حقيقية ومنتجة من خلال إعادة توجيه الاقتصاد نحو الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والطاقة، بعيدًا عن الاقتصاد الريعي غير المنتج.
2. حماية الطبقة الوسطى وهي العمود الفقري للمجتمع الأردني.
وتتحقق الحماية عبر:
نظام ضريبي عادل،
تعليم نوعي،
تأمين صحي شامل،
أجور عادلة.
3. تطوير دولة الخدمات وتحسين النقل العام، إنشاء قطاع صحي محترم، والارتقاء بالتعليم، بما يعيد ثقة المواطن بالدولة.
4. تعزيز الكرامة والحقوق ، الديمقراطية الاجتماعية تعيد صلة الثقة بين الدولة والمواطن عبر احترام الحقوق وصون الحريات.
لا بد من الإشارة الى انسجام الديمقراطية الإجتماعية مع مشروع اليسار الديمقراطي الوطني الذي نطمح له ،فاليسار الديمقراطي الوطني في الأردن هو مشروع يساري منتمٍ للوطن قبل الأيديولوجيا، يقوم على:
1. الوطن أولًا: حماية الأردن، أمنه، وحدته الوطنية، واستقراره.
2. الديمقراطية كنهج: تعزيز الرقابة، المشاركة الشعبية، واستقلال السلطات.
3. عدالة اقتصادية: لأن الفقر والبطالة تهدد الأمن الوطني أكثر مما تهدده السياسة.
4. استقلال القرار الأردني: مع الانفتاح على العالم دون تبعية.
5. بناء مجتمع يحترم التعددية وسيادة القانون إذ أن الوحدة الوطنية تنبع من الاحترام، لا من الإقصاء.
تعتبر الديمقراطية الاجتماعية الإطار الأكثر انسجامًا مع هذا المشروع الوطني، وتجمع بين الحداثة السياسية والعدالة الاقتصادية والحفاظ على الهوية الوطنية الإردنية.
الأردن اليوم قادر على تقديم نموذج خاص به من الديمقراطية الاجتماعية يستند إلى الإرث السياسي والمؤسسي الأردني ، والى الخصوصية الاقتصادية والموارد المحدودة ، والى قيم المجتمع الأردني في العدالة والتكافل والتنوّع ، ورؤية التحديث السياسي والاقتصادي والإداري تدعم هذا التوجه .
إنها صيغة وطنية خالصة، تقدم طريقًا ثالثًا بين الرأسمالية المتوحشة والاشتراكية الجامدة، طريقًا يضع الإنسان الأردني في قلب المشروع.
الديمقراطية الاجتماعية ليست مشروعًا نظريًا، بل حاجة وطنية لضمان الاستقرار الاقتصادي، وحماية الطبقة الوسطى، وتعزيز العدالة والمواطنة. وهي النموذج الذي ينسجم تمامًا مع رؤية اليسار الديمقراطي الوطني الذي يجعل الأردن في أعلى سلم أولوياته ، إن بناء هذا النموذج يمكن أن يشكّل خطوة استراتيجية نحو أردن أقوى، أكثر عدلًا، وأكثر قدرة على مواجهة المستقبل دون أن يتخلى عن هويته أو استقراره أو قيمه.