بعد تحرّك واشنطن لتضييق الخناق على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، تتجه النمسا إلى تشديدٍ واسعٍ على أنشطة التنظيم عبر حملات أمنيّة، وحظرٍ سياسي ومراقبة التمويل.
الإخوان المسلمين في المقابل قلصوا حضورهم العلني ولجأوا إلى المزيد من السرّية بعد سنواتٍ من النفوذ الواسع داخل المؤسسات المجتمعية.
هل تتجه النمسا إلى حظر التنظيم؟
وكيف تقرأ تحركات الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية معًا؟
وما هي تداعيات تحركات النمسا تجاه التنظيم؟
وهل جاء التحرك من قبل الدول الأوروبية متأخرًا؟!.
أوروبا اليوم ومعظم الدول الأوروبيّة تراقب وتتابع هذا التنظيم الذي يرتبط في أيديولوجيا سياسية محددة، من خلال مراقبة التمويل والذي يتصل بالجمعيات والأنشطة التي تمكن الأطراف والجمعيات التي تقوم بأنشطة تناهض قيم المجتمعات، وتبتعد عن الإسلام بكل ما يتضمنه من معاني عميقة ورسائل واضحة.
أفراد التنظيم خلال الفترة الماضية قلصوا حضورهم العلني، وباتت أعمالهم ذاهبة أكثر سرّية في الخفاء، وهو ما يشير إلى تحديات ستواجهها الدول الأوروبيّة.
سياسة النمسا؛ هي سياسة العديد من الدول الأوروبيّة التي تستهدف تنظيم الجماعة فقط، بعيدًا عن الإسلام السياسي، حتى لا توصم هذهِ الدول بمعاداة الإسلام وحرية الرّأي والتعبير.
تداخل المصالح خلال عقود من الزمن بين تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وإيران شكّل مسارًا معقدًا، دفع طهران والتنظيم لغض النظر عن الخلافات المذهبيّة والفكريّة بين الطرفين، لصالح تقديم التعاون والإسناد المباشر وغير المباشر بينهما، وهو ما إنعكس على صورة التنظيم في دول العالم التي أخذت تتخذ مواقفة حازمة تجاهه. ورغم طول العلاقات الممتدة بينهما منذ ثورة الخميني عام ألفٍ وتسعمائة وتسعة وسبعين وحتى الآن فإنّ التطورات الإقليميّة الأخيرة والصراعات المتسارعة في المنطقة؛ أسهمت في تعزيز العلاقات بين طهران وجماعة الإخوان المسلمين، لتصبح أكثر وديّة ووضوحًا وعمقًا مع مرور الوقت.
ومع تصاعد الانقسامات داخل تنظيم الاخوان يتزايد اعتمادهم على إيران، مما فتح الباب عبر تنسيقٍ أوسع، وهو ما كشفت عنه وثائق استخباراتيّة مسرّبه، أعادت تشكيل العلاقات بين الجانبين في ظل الاضطرابات الإقليميّة التي تشهدها المنطقة.
وهو ما يثير تساؤلات متجددة حول المصلحة العليا المشتركة بين الطرفين؛ للتعاون بينهما رغم اختلافهم المذهبي والطائفي وتشددهم في المذهب؟!.
حركة الإصلاح في إيران هي فرع ممتد للتنظيم الإخواني، ويتواجد في طهران بعلم النظام الإيراني نفسه وهي تنفذ أجندات إيرانيّة بحته، ضمن أجندات واضحة وغايات محددة، في المقابل فإن إيران تحارب الحركات الأخرى، وتسعى لخدمة أجندات نفوذها في المنطقة؛ وهو ما يعكس توافق النظام الإيراني وفكر التنظيم العابر للحدود على العديد من الأفكار والرؤى.
فمؤسس الجماعة ومنظرها حسن البنا كان في عهده دائم التواصل مع القيادات الشيعيّة، كما أنّ كتب السيد قطب حظيت باهتمامٍ كبير من قبل المرشد الإيراني الحالي الذي ترجمها إلى اللغة الفارسية، وهو ما يشير إلى التقاء الأهداف بعيدًا عن الاختلافات المذهبية.
ورغم أن أيام ما سميت بالربيع العربي كانت جماعات تتبع للتنظيم الدولي؛ تجلب المقاتلين لسوريا تحت مسميات "النصرة" و"داعش"، بينما كانت إيران تنشأ الحشد الشعبي للقتال في سوريا، فبدا وكأن الطرفين على نقيض.
اليوم المصلحة مشتركة بين الطرفين وهو ما يقود إلى تساؤلات حول ما تقدمه إيران اليوم للتنظيم؟.
في سوريا كان هناك انقسامات بين التنظيم الدولي للإخوان الذي كان ضد التحالف مع إيران والتنظيم السوري كان ينتقد ذلك.
في العام ألفين وأربعة عشر نشرت صور اجتماعات تجمع أعضاء من قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة من التنظيم الدولي وهم يتفقون على دعم الحوثي في اليمن لمقاومة التحالف العربي، بينما كان عدد من قادة التنظيم الدولي في تركيا ضد التحالف، وهو ما يشير إلى لعبة الكراسي، ويؤكّد بأنّ الإخوان ليسو ضد المشروع الفارسي مطلقًا.
وهو ما يشير أيضًا إلى أنّ المذهب يسير وراء السياسة، وفي السياسة يلتقوا معًا لتحقيق مصالح كبيرة من خلال دعم إيران لتنظيم الاخوان المسلمين وما تفرّع عنه من حركة حماس.
الإخوان هم أول من بايعوا قائد الثروة الإيرانيّة تاريخيًا، وهو ما يشير إلى طبيعة الدعم الذي قدمته إيران للتنظيم إن كان على صعيد المال والسلاح الذي قدّم للجماعة في لبنان من أجل التنسيق مع حزب الله والعمل المشترك، وقدّم أيضًا لحزب الإصلاح في اليمن، وكذلك المال الذي قدّم للإخوان في العديد من فروع التنظيم.
المهم في ذلك المصالح المشتركة؛ وهو ما يشير إلى زيارة لقاسم سليماني الذي زار القاهرة أيام حكم الثورة وقبيل سقط حكم الإخوان، وكانت الزيارة بدافع التنسيق مع قادة الإخوان في مصر وتقديم الدعم لهم.
اليوم تنظيم الإخوان يعيش أخطر مرحلة تاريخيّة منذ تأسيسه بين إنقسامات داخليّة وحصار خارجي متصاعد بعد عقودٍ من التمدد في أكثر من ثلاثين دولة، باتت الجماعة أمام انهيار لبنيتها التقليدية، وصراع قيادات الخارج على النفوذ والمال.
جبهات متصارعة للتنظيم في لندن وإسطنبول والمكتب العام المعروف بتيار التغيير؛ كل ذلك يعكس عمق الانشقاق، بينما يتزايد الضغط من قبل الولايات المتحدة الأميركية إلى دول أوروبا وصولًا إلى دولٍ عربية، واجراءات تصنيفٍ إرهابي، وإغلاق مراكز وملاحقة التمويل؛ كل ذلك يضيق الخناق على التنظيم، وهي مسألة وقت فقط لمواجهة شبكة الإخوان العابرة.
فهل الإخوان أمام مرحلة مفصليّة يواجهها التنظيم الدولي؟
وهل ينجح تنظيم الاخوان بإعادة التكيف أم يقترب من النهاية؟!.
وما هو مستقبل التنظيم وأذرعه في منطقة الشرق الأوسط وماذا ينتظرهم في الغد القريب؟!.
* مدير مركز الرأي للدراسات والأبحاث
الرأي