نحو مجلسٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ وبيئيٍّ: استحقاقٌ للتنمية المستدامة
د.علي سليم الحموري
08-12-2025 10:54 PM
صَدَرَت الإرادةُ الملكيّةُ بتشكيلِ المجلسِ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ في الثالثِ والعشرينَ من تشرينَ الأوّل عامَ 2007، وتأسَّسَ رسميًّا في السابعِ من تموز عامَ 2009، ليعملَ كهيئةٍ استشاريّةٍ تُقدِّمُ للحكومةِ الأردنيّةِ الرأيَ والمشورةَ حَوْلَ القضايا والسياساتِ الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ.
وينفّذُ المجلسُ مهامَّهُ بطلبٍ من الحكومةِ أو بمبادرةٍ ذاتيّةٍ، ويضمُّ في عضويّته خبراءَ وأكاديميّينَ وممثّلينَ عن أصحابِ العملِ والعمّالِ من القطاعاتِ الصناعيّةِ والتجاريّةِ، ممّا يُتيحُ له البناءَ على خبراتٍ متراكمةٍ ومتنوّعةٍ. كما يعملُ المجلسُ على تعزيزِ الحوارِ الاجتماعيِّ حولَ مسائلَ تهمُّ المواطنينَ الأردنيّين، مثلَ توزيعِ الدخلِ، والبطالةِ، والفقرِ، والتعليمِ، إلى جانبِ القضايا الاقتصاديّةِ والاجتماعيّةِ الأخرى.
ورغمَ الدورِ المهمِّ الّذي يضطلعُ به المجلسُ، يظلُّ السؤالُ قائمًا: لِمَ ظلَّ اسمُهُ مقتصرًا على "الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ"، في وقتٍ باتتْ فيه البيئةُ تمثّلُ التحدّيَ الأكبرَ للتنميةِ الوطنيّةِ؟ فالتنميةُ المستدامةُ لا تكتملُ دونَ ركيزتِها الثالثةِ، وهي البيئةُ، خاصّةً في بلدٍ يُعاني من ندرةِ المياهِ، ويواجهُ آثارًا متسارعةً للتغيّرِ المناخيِّ وتداعياتِه.
إنَّ التحدّياتِ البيئيّةَ في الأردنِّ مرتبطةٌ ارتباطًا مباشرًا بحياةِ المواطنِ اليوميّةِ؛ من أزمةِ المياهِ الّتي تضعُ المملكةَ بين أفقرِ دولِ العالمِ مائيًّا، إلى الحاجةِ المُلحّةِ للتحوّلِ إلى مصادرِ الطاقةِ المتجدّدةِ وتقليلِ الاعتمادِ على الاستيرادِ، وصولًا إلى آثارِ التَّصَحُّرِ وارتفاعِ درجاتِ الحرارةِ على الأمنِ الغذائيِّ والصحّيِّ. هذهِ القضايا لا يمكنُ النظرُ إليها كهَوامشَ ثانويّةٍ، بل هي أساسُ الاستقرارِ الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ.
كما أنّ الأردنَّ مُلتزمٌ باتفاقيّاتٍ دوليّةٍ، كاتفاقِ باريسَ للمناخِ وأهدافِ التنميةِ المستدامةِ لعامِ 2030، ممّا يفرِضُ ضرورةَ ترجمةِ هذهِ الالتزاماتِ إلى سياساتٍ وطنيّةٍ واضحةٍ. والمجلسُ الاقتصاديُّ والاجتماعيُّ قادرٌ على أن يكونَ رافعةً مهمّةً في هذا المسارِ، من خلالِ تقديمِ توصياتٍ عمليّةٍ، وإطلاقِ حواراتٍ وطنيّةٍ، وإعدادِ تقاريرَ متخصّصةٍ تعكسُ الواقعَ المحليَّ وتستشرفُ المستقبلَ.
إنَّ إضافةَ كلمةِ «البيئيّ» إلى اسمِ المجلسِ لن تكونَ مجرّدَ خطوةٍ شكليّةٍ، بل رسالةً وطنيّةً بأنَّ البيئةَ أصبحتْ في قلبِ السياساتِ العامّةِ، وليستْ شأنًا منفصلًا أو ثانويًّا. وحتى إنْ كانَ تعديلُ القانونِ يتطلّبُ وقتًا، فإنَّ إنشاءَ لجنةٍ دائمةٍ معنيّةٍ بالسياساتِ البيئيّةِ والمناخيّةِ داخلَ المجلسِ سيُعزّزُ من حضورِه ويمنحُهُ دورًا أوسعَ في مواجهةِ التحدّياتِ الرّاهنةِ.
إنَّ مستقبلَ الأجيالِ القادمةِ يتوقّفُ على ما نقومُ به اليوم؛ فإمّا أن نكونَ الجيلَ الّذي حافظَ على الأرضِ وصانَ مواردَها، أو الجيلَ الّذي تركَ إرثًا من الأزماتِ والتحدّياتِ.
البيئةُ لم تَعُدْ خيارًا، بل مسؤوليّةٌ جماعيّةٌ تتطلّبُ تعاونًا شاملًا بينَ الحكوماتِ والقطاعِ الخاصِّ والمجتمعِ المدنيِّ والأفرادِ. فاستدامةُ مواردِنا الطبيعيّةِ هي الأساسُ لضمانِ الأمنِ والاستقرارِ على المدى الطويلِ، والحفاظِ على التنوّعِ البيولوجيِّ، والحدِّ من التلوّثِ، وتبنّي ممارساتٍ مستدامةٍ في مختلفِ القطاعاتِ.
وما نُقدّمهُ اليومَ من التزاماتٍ وأفعالٍ سيُحدِّدُ ملامحَ الغدِ ويصوغُ مستقبلًا أكثرَ استدامةً وعدالةً للأجيالِ المقبلةِ.
*المحامي الدكتور علي سليم الحموري
رئيسُ جمعيةِ استشرافِ المستقبلِ للحقوقِ البيئيةِ والعدالةِ المناخيةِ
وعضوُ هيئةِ التدريسِ في كليةِ الحقوقِ – جامعةِ العلومِ التطبيقيةِ