في ذاتِ ندوةٍ شهدتُها على هامشِ المهرجانِ القرائيِّ للطِّفلِ الذيِ ينعقدُ في الشّارقةِ كلّ عامٍ تحدَّثَ فيها المنتدون عن (الميديا) وخطرِ الإعلامِ على تنشئةِ الطِّفلِ العَربيِّ وميلِه إلى العنفِ.
لم يبرّئ المنتدون الإعلامَ حينَ اعترفوا أنّه المسؤولُ عمّا يحدثُ في المجتمعِ منْ أزمةِ تربيَّةٍ وقيمٍ لا بلْ هو أساسُها، حينَ حلَّت الألعابُ الإلكترونيَّةُ التي كرَّست القتلَ والعنفَ على حسابِ البراءةِ والوداعةِ – حلَّتْ محلَّ اللعبةِ الجميلةِ من الكرتونِ أو البلاستيكِ أو القماشِ، وأصبحَ الطِّفلُ يقضي ساعاتٍ منْ نهارِه على (الآيباد)؛ ليهتفَ كلَّ لحظةٍ أنَّه (قتلَ كذا وكذا) وهو يقصدُ اللَّعبةَ الإلكترونيَّةَ التي بين يديه.
هذا العنفُ الذي سرعانَ ما يُترجمُ إلى سلوكٍ يوميٍّ عندَ الطِّفلِ بأنْ يضربَ أقرانَه وما تصلُ إليه يدُه كأنْ يضربَ الحيواناتِ في الشّارعِ أو الحدائقِ (مثلًا).
في المحاضرةِ أبدى عددٌ من الأمهاتِ قلقًا على أبنائِهن، وكيفَ لهنَ أنْ يسرِّبْنَ موادَّ لهم هي أصلًا وُجِّهتْ إليهن في برامجِ الأسرةِ المختلفةِ معْ غيابِ برامجِ الأطفالِ ذاتِ الصِّبغةِ النَّوعيَّةِ التي تُقدِّمُ الفائدةَ والمتعةَ للصِّغارِ.. .
قال المنتدون: إنَّ الفضائيّاتِ تتحرّى البرامجَ التي تجلبُ المالَ عنْ طريقِ الدِّعايةِ والإعلانِ؛ وبالتَّالي فإنَّ هذه القنواتِ لا تشهدُ إقبالًا على تقديمِ برامجَ للأطفالِ، وتفضِّلُ -عوَضًا عنْ ذلك- البرامجَ السِّياسيَّةَ التي تستقطبُ عددًا أكبرَ من المشاهدين، وكذلك حمَّلوا الأمهاتِ مسؤوليَّةَ ما يحدثُ منْ عنفٍ عندَ الصِّغارِ.. الأمُّ التي تكونُ مشغولةً بعملِها أو بالنّادي الرِّياضي أو .... الخ (وترْكنُ إلى الخادمِةِ)، ويكونُ الصَّغيرُ مع الخادمةِ المشغولةِ بهاتفِها النقّال - حينَها يصبحُ الصِّغارُ بلا ضابطٍ فيضربُ بعضُهم بعضًا.
وحينَ سُئل المنتدون: كيفَ لنا أنْ نضْبطَ هذا الزَّخمَ الإعلاميَّ الذي يأتي بألفِ فضائيَّةٍ أو يزيدُ بضربةٍ من (الرّيموت كنترول)؟ كانتْ إجاباتُهم تتلخّصُ بأنّه: لا بدَّ من السَّيطرةِ – ولو ب(التَّشويش) على هذه القنواتِ، أو ب(الحَظْرِ) أو بتبطيءِ النِّت في عددٍ من ساعاتِ الذَّروةِ في اللَّيلِ والنَّهارِ؛ لأنَّ أصلَ التَّربيَّةِ يبدأُ بالخوفِ - ولعلَّهم كانوا يقصدون هنا الخوفَ بمعنى التَّحذيرِ من الخطرِ، ثمَّ ما يلبثُ أنْ يغدوَ (الخوفُ) ممارسةً ليصبحَ عادةَ، وإلّا ما معنى أنْ تجتمعَ العائلةُ – أبناءً وأحفادًا- على المائدةِ بعدَ طولِ غيابٍ وينشغلُ كلٌّ بمواقعِ التَّواصلِ على هاتفِه ولا يكلِّمُ أحدُهم الآخر؟!
وأضافوا: لا بدَّ من السَّيطرةِ على النِّتِ في البيتِ؛ فليسَ من الحكمةِ أنْ يكونَ لكلٍّ رقمُ المرورِ الخاصِّ به؛ إذْ يمكنُ للأمِّ أنْ تعطيَ الطِّفلَ بعضَ الوقتِ فقط للحدِّ ممّا نحنُ فيه منْ خرابٍ.
ذاكَ ما كانَ في المُحاضرةِ..... وأحسبُ أنَّ ذاكَ هو سماءُ الكلمةِ ورسالتُها حينَ يكونُ الضَّبطُ والتَّقنينُ هو الفيصلَ في الخروجِ منْ هذهِ الدَّوامةِ .. السَّماءُ التي تعيدُ للعلاقاتِ (حميميَّتها) المفقودةَ في زمنٍ زادتْنا فيه مواقعُ التَّواصلِ عزلةً إلى الحدِّ الذي يجعلُ أحدَنا يصرخُ بأعلى صوتِه: " ما أكثرَ مواقعَ الاتِّصالِّ! وما أقلَّ التَّواصلَ.
كتبتُ يومًا:
على العشاءِ تلتقي العائلةُ:
الأبُ يأكلُ لحمًا مشويّا ويشربُ عصيرَ الأناناسِ.
الأمُّ تأكلُ الخُضارَ المشويَّةَ وتحتسي الشَّايَ بالنَّعناعِ.
الابنُ يأكلُ (البرغرَ) بالمايونيز ويشربُ (الكولا).
البنتُ تأكلُ (الهوت دج) ب(الكاتشاب) وتشربُ (النَّسكافيه).
وبعدَ العَشاء:
الأبُ على (التويتر).
الأمُّ تقرأُ روايةً بالإنجليزية.
الابنُ على (البلاي ستيشن).
البنتُ على (الفيس بوك).
في القاراتِ الـأربعِ يلتئمُ شَمْلُ العائلة.