الكرامة الإنسانية وسيادة القانون
جمال القيسي
10-12-2025 12:59 PM
في أية دولة تتطلع إلى ترسيخ الثقة العامة والأمن العام، تغدو الكرامة الإنسانية جزءا أصيلا من مبدأ "سيادة القانون"؛ فالدولة، وهي تمارس سلطتها الأمنية، لا تملك، ولا ينبغي لها تجاوز هذا المبدأ أو هدره أو التهاون فيه؛ لأن الغاية العليا للقانون ليست الردع وحسب، بل حماية الإنسان بوصفه أصل القيمة في الحياة وأية منظومة قانونية.
المواطن، وهو أحد أهم الأركان الثلاثة لقيام الدولة، ليس مجرد “مادة” في التشريع، بل هو هدفه وسبب وجوده. وفي ضوء ذلك؛ فإن شعور المواطن بالأمان والاحترام أثناء التعامل مع سلطات الدولة يشكّل الاختبار الحقيقي لمصداقية المنظومة القانونية، ولا يكتمل هذا الشعور إلا من خلال تطبيق عادل ومنضبط ودقيق للقانون يضمن الحقوق الإنسانية كاملة.
إن صون الكرامة أثناء الاستجواب والتحقيق والتوقيف والسجن يشكّل حجر الأساس لأي نظام قضائي عادل؛ فالعدالة ليست مجرد نصوص وإجراءات، بل هي أخلاق الدولة وهيبتها، ومن أبجديات هذه الأخلاق منع أية إساءة لفظية أو تهديد أو إهانة أو ضرب أو إية إشارة تخدش الشعور الإنساني، وتريق ماء الوجه، إضافة إلى أن الاعتراف المنتزع بالقوة، معنوية كانت أو جسدية، يفقد قيمته القانونية والأخلاقية، ويحوّل سلطة إنفاذ للقانون إلى جهاز يضر بسمعة الدولة خارجيا ويلحق الأذى باقتصادها، ويشكل مناخا عاما غامضا، وبيئة طاردة للاستثمار؛ نعني، تماما، الاستثمار الحاضر بقوة في التوجيه والإيعاز الملكي السامي للمجلس القضائي الأردني مطلع الشهر الماضي.
إن الدولة التي تحرص على سيادة القانون مطالبة بوضع الإنسان في صلب العمليات الأمنية والقضائية. ولا يجوز التذرّع بخطورة جريمة ما لتجاوز النص القانوني، أو حتى محاولة الالتفاف على الضمانات العادلة في التحقيق؛ فمكافحة المخدرات، مثلا، لها أدوات مهنية وتقنية وتشريعية كثيرة، ليس من بينها انتزاع الاعترافات، بل ينحصر دورها في أخذ الإفادات بالوسائل القانونية والإنسانية والمؤسسية والمهنية، وعدم تجاوز دور المدعي العام؛ فهو صاحب الصلاحية القانونية َوالاختصاص في تولي التحقيق، ولا ينعقد هذا الاختصاص للضابطة العدلية، ولا لغيرها، تحت طائلة البطلان.
إن سمعة أية دولة تُقاس بمدى قدرتها على احترام الإنسان وصون حقوقه الأساسية؛ فحين يشعر المواطن بالتوتر لمجرّد تلقيه طلبا من مركز أمني، فهذه إشارة على خلل في الثقة العامة، وخشية حقيقية من انتهاك الكرامة أو تجاوز الإجراءات. وهذا القلق مؤشر على فجوة بين المواطن ومؤسسات إنفاذ القانون.
إن مسؤولية السلطات الثلاث لا تقتصر على تطبيق النصوص وحسب؛ بل تشمل أيضا تعزيز ثقة المجتمع بمؤسساته الأمنية وضرورة قيام وزارة الداخلية بالدور المنوط بها عبر تقديم الصورة المهنية الإنسانية الناصعة ومعيارها الأول والأخير كرامة الإنسان.