من شُحّ الموارد إلى سيادة القرار .. قراءة فلسفية في التجربة الأردنية
د. بركات النمر العبادي
15-12-2025 02:00 PM
في عالمٍ تُقاس فيه القوة بوفرة الثروات ، يبرز الأردن كاستثناءٍ يحرّض على التفكير، ويكسر معادلات "الامتلاك - الاستقلال". فهل يمكن لدولة تكاد تخلو من الموارد الطبيعية أن تصنع استقلالها السياسي والاقتصادي ؟ يبدو أن الأردن قد أجاب عن هذا السؤال لا بالشعارات ، بل بتجربة حيّة تستحق التأمل.
إن ندرة الموارد ليست مجرّد عائق تقني ، بل هي سؤال وجودي يطرحه الواقع على الدولة : ماذا تفعل حين لا تملك ؟ من تكون حين تُحرم مما لدى الآخرين ؟ وهنا تتجلى عبقرية الخيار الأردني ، إذ تحوّلت الندرة إلى بوصلة ، والمحدودية إلى محفزٍ للابتكار ، فانطلقت الدولة لا لتبكي على فقرها الطبيعي ، بل لتؤسس لفكرة أن السيادة لا تُشترى من الأسواق ، بل تُبنى من الداخل.
الماء : الفلسفة من تحت الصخر
ليس الماء في الأردن مجرّد مورد نادر، بل هو معركة ، فحين يتضاءل نصيب الفرد عن 100 متر مكعب سنويًا ، يتحوّل السؤال من "كيف نحصل على الماء؟" إلى "كيف نبني مجتمعًا يدير النقص بعقلٍ منتج؟". فكان الرد الأردني مشروع "الناقل الوطني" لتحلية مياه البحر الأحمر ، والذي لا يمثّل فقط حلاً هندسيًا ، بل تجسيدًا لفكرة أن الاستقلال يبدأ حين تتجاوز الدولة رد الفعل ، وتدخل في دائرة الفعل الاستراتيجي.
الطاقة : من التبعية إلى المبادرة
أن تستورد أكثر من 90٪ من حاجتك من الطاقة ، فذلك يعني أن قرارك الاقتصادي مقيّد بيد الخارج ، غير أن الأردن لم يستسلم لهذا التحدي البنيوي ، بل اتجه إلى الشمس والريح ، فحوّل صحراءه القاسية إلى محطاتٍ لإنتاج الطاقة النظيفة ، وأنتج أكثر من 20% من كهربائه من مصادر متجددة ، وهذه الخطوة لا تعني فقط تقليل الفاتورة ، بل تحرير القرار ، لأن الطاقة لم تعد سلعة خارجية بل خيارًا سياديًا داخليًا.
الإنسان : المورد الذي لا ينضب
وسط ندرة الجغرافيا ، قرر الأردن أن يستثمر في "الجغرافيا الداخلية" للإنسان : العقل ، والخيال ، والقدرة على الابتكار، فالتعليم وريادة الأعمال لم يكونا مجرد أدوات تنموية ، بل فلسفة وجود ترى في الإنسان موردًا لا تتحكم به تقلبات السوق أو الطبيعة ، وفي ظل تحديات اللجوء والضغط الديموغرافي ، تحوّل العنصر البشري إلى رهان استراتيجي على بناء اقتصاد معرفي حرّ من التبعية.
الاستقلال كحقّ فلسفي للأردنيين
لا ينبغي أن يُختزل استقلال الدول في خرائط أو أعلام ، بل يجب أن يُفهم كحقّ وجودي في أن تختار الشعوب مصيرها ، وتصوغ حاضرها بعيدًا عن الهيمنة ، والأردن ، رغم هشاشة الموارد ، قدّم نموذجًا يعيد تعريف السيادة ليس كاحتكار للثروة ، بل كقدرة على صناعة القرار الحرّ من داخل الهشاشة ذاتها.
بهذا المعنى ، فإن من حق الأردنيين — لا بل من واجبهم التاريخي — أن يطالبوا باقتصاد سيادي مستقل ، لا لأنهم يملكون الأرض والذهب ، بل لأنهم أثبتوا أن أعظم الثروات ليست في باطن الأرض، بل في عمق الإرادة ، ارادة الاردنيين انفسهم .
وخاتما : حين تصبح التحديات مدرسة للاستقلال
إن التجربة الأردنية، بفلسفتها المستترة خلف الأرقام ، تفتح أفقًا جديدًا للتفكير : أن السيادة لا تحتاج إلى النفط ، بل إلى وعي ، وأن الندرة ليست نهاية، بل بداية لحوار عميق بين الدولة ومصيرها ، وفي عالم يعيد تعريف القوة ، ربما يكون الأردن من أكثر الدول التي فهمت أن التحديات ليست نهاية الطريق ، بل بدايته. هذا قدرنا ولسوف نجتاز المرحلة بنجاح ، ما دام ان لدينا قيادة هاشمية نزيهه ، وشعب اردني قادر على التحدي ، وفكرنا محافظ تقدمي .
حمى الله الاردن من كل كريهتا وسدد على طريق الخير خطاه
* حزب المحافظين الاردني