حوكمة شركات الصرافة في الأردن… ضرورة رغم التكاليف
قصي الجمّال
15-12-2025 02:29 PM
يشهد قطاع الصرافة في الأردن أهمية متزايدة باعتباره أحد المفاصل الحيوية في دورة الحركة المالية، ولا سيما مع تزايد التحويلات الخارجية، وانتشار الخدمات الإلكترونية، وتشديد البنوك المركزية حول العالم على قضايا الامتثال ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وفي ظل هذا الواقع، أصبحت حوكمة شركات الصرافة الأردنية ضرورة وطنية وليست خيارًا إداريًا.
ورغم ذلك، ما تزال العديد من شركات الصرافة خصوصًا الشركات العائلية المنتشرة في المحافظات تتردد في تطبيق الحوكمة الكاملة بسبب ارتفاع التكاليف التشغيلية المترتبة عليها. فالانتقال من إدارة عائلية بسيطة إلى نموذج مهني متكامل يتطلب خطوات إضافية تشمل:
تعيين مجلس إدارة يتمتع بالكفاءة والاستقلالية.
استحداث وحدات للامتثال وإدارة المخاطر والتدقيق الداخلي.
تطوير الأنظمة التقنية الخاصة برصد العمليات المشبوهة وفحص الأسماء.
تدريب الموظفين ورفع مستوى الوعي الرقابي.
الالتزام بالمتطلبات الصادرة عن البنك المركزي الأردني.
هذه العناصر جميعها تُحمّل الشركات التزامات مالية جديدة، قد تبدو ثقيلة على بعض الشركات الصغيرة والعائلية التي تعمل بهوامش ربح محدودة.
لكن في المقابل، تُظهر التجربة الأردنية أن غياب الحوكمة هو الأكثر تكلفة.
فالشركات التي أهملت الحوكمة واجهت تحديات تنظيمية، أو صعوبات في التعامل مع البنوك، أو حتى تراجعًا في ثقة العملاء. واليوم، ومع التشدد الرقابي العالمي، لم يعد بإمكان شركات الصرافة أن تستمر بالآليات القديمة، لأن أي خلل في الامتثال قد ينعكس مباشرة على سمعة القطاع المالي الأردني بأكمله.
إن الاستثمار في الحوكمة ليس مجرد التزام تجاه البنك المركزي، بل هو ضمان لاستدامة الشركة، وتعزيز قدرتها على فتح فروع جديدة، وتوسيع شبكة علاقاتها مع البنوك المراسلة، وحماية مالكيها من المخاطر القانونية والتنظيمية. كما أن الحوكمة تقلل من التكاليف الخفية الناتجة عن الأخطاء التشغيلية أو سوء إدارة السيولة أو عدم رصد العمليات عالية المخاطر.
اليوم، يقف قطاع الصرافة في الأردن أمام مفترق طرق:
إما البقاء ضمن النموذج التقليدي الذي لم يعد يتناسب مع حجم المخاطر، أو الانتقال نحو نموذج حوكمة حديث يواكب التطورات ويعزز الثقة في السوق الأردني.
نعم، الحوكمة ترفع التكاليف التشغيلية… لكنها في الأردن أصبحت شرطًا للبقاء، وليس مجرد خيار لتحسين الأداء.
فالحوكمة هي جسر العبور نحو مستقبل أكثر استدامة، وأكثر أمانًا، وأكثر قدرة على مواجهة المخاطر في قطاع حساس يرتبط مباشرة بأمن واستقرار الاقتصاد الوطني.