facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حرب السودان صمت الشارع وتجاهل الحكومات


المحامي الدكتور هيثم عريفج
15-12-2025 06:36 PM

في زمن تُرفع فيه الشعارات الكبرى، ويُقاس فيه الالتزام بالقضايا بعدد المنشورات لا بحجم المواقف، تُرتكب في السودان واحدة من أفظع الجرائم الجماعية في التاريخ الحديث، وسط صمت عربي يرقى إلى مستوى التواطؤ السياسي، إن لم يكن الأخلاقي. إنها حرب لا يمكن وصفها فقط بأنها “منسية”، بل حرب جرى التغاضي عنها عمدًا لأنها لا تخدم مزاج اللحظة ولا حسابات المصالح.

في السودان، لا تسقط المدن بفعل صراع داخلي عابر، بل تُسحق دولة كاملة في إطار صراع نفوذ إقليمي ودولي، تُدار فصوله بالوكالة، وتُموّل أدواته بالمال والسلاح، ويُقدَّم فيه الشعب السوداني كقربان على مذبح الذهب، والموانىء والهجرة غير الشرعية، والموقع الجيوسياسي. هذه ليست حربًا أهلية، بل عملية تفكيك ممنهجة لدولة عربية، تجري على مرأى من الجميع.

الأخطر من الحرب ذاتها، هو هذا الصمت العربي الثقيل. صمت الأنظمة، وصمت المؤسسات، وصمت الإعلام، وصمت النخب التي اعتادت رفع صوتها حين يكون الثمن منخفضًا، وتخفيضه حين تصبح الحقيقة مكلفة. لقد أصبح الدم السوداني “خارج جدول الاهتمام”.

إلى جانب الصمت الرسمي، يقف الشارع العربي اليوم في حالة حيرةٍ مقلقة، بعيدًا عن أي ردّة فعل تُذكر. لا مظاهرات، لا حملات ضغط شعبية، لا حضور فعلي في الفضاء العام يوازي حجم الكارثة. وكأن المأساة السودانية معقّدة إلى حد الشلل، أو بعيدة جغرافيًا إلى درجة نسيانها، أو مُربِكة سياسيًا بحيث لا يجد المواطن العربي خطابًا واضحًا يتكئ عليه.

هذا الغياب الشعبي لا يقل خطورة عن الصمت الرسمي، لأن التاريخ أثبت أن الشارع حين يتحرك يفرض المعادلات، وحين يصمت يترك الساحة كاملة للقوة والمصالح.

نعم، فلسطين ستبقى قضيتنا المركزية، لكن تحويلها إلى ذريعة أخلاقية لتبرير تجاهل مجازر السودان هو إساءة لفلسطين قبل أن يكون خذلانًا للسودانيين. لا توجد قضية عادلة تُبرر الصمت عن جريمة أخرى، ولا مقاومة حقيقية تُبنى على انتقائية الضمير. فالعدالة التي تُجزّأ، تفقد معناها.

ما يجري في السودان من قتل جماعي، وتهجير قسري، وانتهاكات ممنهجة، ليس مجرد “أزمة إنسانية”، بل جريمة سياسية مكتملة الأركان، تُدار بأدوات محلية وتُغذّى بدعم خارجي، في ظل عجز أو تواطؤ عربي رسمي. وحين تعجز الجامعة العربية عن حماية دولة عضو من التفكك، فإن السؤال لم يعد عن فشلها، بل عن جدوى وجودها أصلًا.

إن استمرار هذه الحرب هو فشل أخلاقي عربي بامتياز. فشل في اتخاذ موقف، وفشل في الضغط لوقف النزيف. لا نحتاج إلى بيانات خشبية، بل إلى موقف سياسي واضح.

السودان لا يحتاج شفقة، بل عدالة. لا يحتاج تضامنًا لفظيًا، بل قرارًا عربيًا شجاعًا يعيد الاعتبار لمعنى الأخوّة، ولمفهوم الأمن القومي العربي الذي يُستباح اليوم في الخرطوم كما استُبيح من قبل في بغداد ودمشق وطرابلس.

إن الصمت اليوم لن يُغفر غدًا. والتاريخ لا يرحم من رأى المجزرة وفضّل السلامة. السودان يُذبح، ليس فقط بالسلاح، بل بالصمت… والصمت موقف.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :