facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




طبيبة في البيت .. وحُلم مُعلّق


د. لينا جزراوي
18-12-2025 11:23 AM

كثيرًا ما أصادف قصصًا لفتيات أنهين دراسات شاقة، واخترن تخصصات تتطلب سنوات من الجهد والسهر والانضباط. طبيبات، مهندسات، صيدلانيات، وطبيبات أسنان، وغيرهن ممن أمضين جزءًا كبيرًا من أعمارهن في سبيل شهادة كانت بوابة العبور إلى العمل، والنجاح، والاستقلال. ثم، وبكل بساطة، يظهر خاطب يطلب منها أن ترمي كل هذا التعب خلفها، مقابل أن تدخل “عالم الزواج”.

أمام هذه المشاهد، يبرُز سؤال موجع: كيف يمكن لفتاة أن تتنازل عن كل هذا الجهد لصالح زوج تقليدي يرى رجولته في فرض رؤيته، ويختصر دور المرأة داخل أسوار المنزل؟ وما يثير الحيرة أكثر: لماذا لا يلجأ هذا النموذج من الرّجال إلى اختيار فتاة تنسجم أصلًا مع قناعاته؟ لماذا يختارها مُتعلمة وحاصلة على أرقى الشهادات، ثم يفرض عليها الجلوس في البيت؟ ويختارها من عائلة مُنفتحة، ثم يسعى إلى إعادة تشكيلها وفق حدوده ونمط حياته المختلف عن بيئتها؟

هذه الظاهرة لا يمكن فصلها عن نمط تربية ترسّخ فكرة الهَيمنة باتجاه واحد، من الرجل إلى المرأة، وتربط الرّجولة بالسيطرة لا بالشراكة. في هذا السّياق، يغيب الحوار وتبادل الرأي، ويُنظر إلى النقاش بوصفه تهديدًا للسلطة لا حقّا ًمشروعًا لشريكة في العلاقة. فكلما كان الرجل أكثر فرضًا لرأيه، ازداد قبوله اجتماعيًا، وكلما كانت المرأة أكثر خضوعًا وامتثالًا، عُدّت “أنجح” في ميزان المجتمع.

هنا تكمُن المُعضلة: عقل جمعي يمتلك قالبًا جاهزًا للرجل وآخر للمرأة، ويُكافئ من يقترب من هذا القالب، حتى وإن كان الثمن هو الطموح، أو الاستقلال، أو الشعور بالذات.
ومن أكثر المشاهد إيلامًا أن نرى طبيبة أو مهندسة أو صيدلانية تتوقف عن العمل، لا عن قناعة حُرة، بل نزولًا عند رغبة خطيب لا تتسع ثقافته لامرأة فاعلة خارج المنزل. اليوم تتنازل عن مهنتها، وغدًا قد تتنازل عن رأيها، ثم عن أحلامها، وربما عن نفسها.

النقطة الجوهرية في هذا كله: هل للفتاة خيار حقيقي؟ هل تُسأل فعلًا عن رأيها؟ إن كان القرار نابعًا من إرادتها الحرة، دون ضغط أو إكراه، فهي تتحمل مسؤوليته كاملة. لكن في معظم القِِصص المُتداولة، تكون الفتاة واقعة تحت ضغط الأهل والعائلة، خوفًا من خسارة “عريس مُناسب” أو تفويت فرصة يُصوَّر أنها قد لا تتكرّر.

وهنا يفرض السؤال نفسه: لماذا قررّت مجتمعاتنا أن التّوازن بين العمل والحياة الزوجية أمر مستحيل؟ ولماذا رسّخت فكرة أن العلاقة السّليمة لا تقوم إلا بوجود طرف مُهيمن وآخر خاضِع؟ ولماذا ما زالت ثقافة الحوار، والتّفاهم، والتّخطيط المُشترك غائبة عن مُؤسسة يُفترض أنها تُبنى على الشّراكة لا السّيطرة؟

ربما آن الأوان لأن نسأل بصدق: أيّ مُجتمع نُريد؟ مجتمع يخشى المرأة الواعية والمنتجة، أم مجتمع يرى في شراكتها قوة لا تهديدًا؟
فالزواج ليس مِقصلة تُعلّق عليها أحلام النّساء، ولا عقد تنازل عن سنوات من التّعب والمَعرفة، بل يجب أن يكون مساحة أمان ونموّ وتكامل بين طرفين مُتكافئين. المرأة العاملة لا تنتقص من رجولة الرجل، لكنها تكشِف هشاشتها إن كانت الرّجولة لا تحتمل شريكة واعية.
وحين نُطالب المرأة بالتخلّي عن مِهنتها باسم “الاستقرار”، فنحن في الحقيقة نطالبها بالتخلّي عن ذاتها. ولن يتغير هذا الواقع ما لم نُعِدْ تعريف الرّجولة، ونُفكّك ثقافة الهَيمنة، ونعترف بأن الحوار ليس ضَعفًا، بل شرطًا أساسيًا لأي علاقة صحيّة قابلة للاستمرار. فالمُجتمعات التي تقمع أحلام نِسائها، لا تحمي الأسرة… بل تُؤجِّل انهيارها.

* رئيسة الجمعيّة الفلسفيّة الأردنيّة





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :