اقتصاديات الرياضة: المنتخب الوطني نموذجا
د. إبراهيم الخلوف الملكاوي
20-12-2025 01:04 AM
لم تعد الرياضة، في عالم اليوم، نشاطًا تنافسيا محصورا في الملاعب أو المدرجات، بل تحولت إلى أداة اقتصادية استراتيجية فاعلة، تشكل رافعة للتنمية، ومنصة للترويج للدول، وأحد أهم أذرع التسويق القوية والفاعلة جدا القادرة على لفت أنظار العالم دون ضجيج سياسي أو اقتصادي مباشر. وفي هذا السياق، يبرز دور المنتخب الوطني الأردني كنموذج حيّ لكيف يمكن للرياضة أن تتحول من مجرد إنجاز رياضي إلى قيمة اقتصادية واستثمارية ووطنية مضافة.
لقد أثبت المنتخب الوطني، عبر حضوره المشرف في المحافل الإقليمية والدولية، أن الأداء الرياضي المتميز لا ينعكس فقط في النتائج، بل في الصورة الذهنية الكلية التي تُرسم عن الدولة في الوعي العالمي. فكل مباراة يخوضها المنتخب، وكل إنجاز يحققه، هو رسالة غير مباشرة للعالم مفادها أن الأردن بلد قادر على المنافسة، منظم، يمتلك طاقات بشرية شابة، ويؤمن بالعمل الجماعي والانضباط والطموح.
حين يُرفع اسم الأردن في البطولات الكبرى، وتُتداول صوره في وسائل الإعلام العالمية، فإن ذلك يحقق ما تعجز عنه أحيانًا حملات الترويج التقليدية. فالرياضة تمتلك لغة عالمية يفهمها الجميع، وتصل إلى جماهير عريضة من مختلف الثقافات، وهو ما يمنح المنتخب الوطني دورا محوريا في تسويق الأردن كدولة مستقرة، آمنة، ومنفتحة.
هذا الحضور الإعلامي المتكرر يخلق اهتماما دوليا متزايدا، لا يقتصر على الشأن الرياضي فحسب، بل يمتد ليشمل الاقتصاد والسياحة والاستثمار. فالمستثمر، قبل أن يضع أمواله في أي بلد، يتأثر – ولو بشكل غير مباشر – بالصورة العامة لذلك البلد، واستقراره، وحيويته، وقدرته على تحقيق إنجازات في مختلف المجالات، والرياضة أحد أبرز هذه المؤشرات.
تؤكد التجارب الدولية أن النجاح الرياضي يسهم في تحفيز الاقتصاد بطرق متعددة، منها زيادة الإنفاق الاستهلاكي، وتنشيط السياحة الرياضية، وجذب الرعايات والاستثمارات المرتبطة بالإعلام والرياضة والبنية التحتية. وفي الحالة الأردنية، لعب المنتخب الوطني دورا مهما في تعزيز الثقة بالمنتج الوطني، ورفع الروح المعنوية، وتحفيز الشباب على الإبداع والتميز.
كما أن النجاحات الرياضية تُسهم في فتح نوافذ جديدة للتعاون الدولي، سواء عبر الشراكات الرياضية، أو استقطاب المعسكرات والبطولات، أو حتى من خلال الاهتمام المتزايد بالسوق الأردني من قبل الشركات الإقليمية والدولية التي ترى في الرياضة مدخلا ذكيا للاستثمار وبناء العلامة التجارية.
إن الحديث عن اقتصاديات الرياضة لا يكتمل دون التأكيد على أن المنتخب الوطني ليس مجرد فريق، بل هو مشروع وطني متكامل، تتقاطع فيه أبعاد الاقتصاد والتعليم والإعلام والسياحة والشباب. فالاستثمار في المنتخب، وفي المنظومة الرياضية عموما، هو استثمار في رأس المال البشري، وفي صورة الأردن المستقبلية.
وعندما يرى العالم منتخبا أردنيا ينافس بشرف، ويقاتل بروح عالية، ويلتزم بالقيم الرياضية، فإن ذلك يعزز من جاذبية الأردن كبيئة استثمارية تحترم القواعد، وتؤمن بالحوكمة، وتقدّر العمل المؤسسي – وهي ذات القيم التي يبحث عنها المستثمرون.
لقد نجح المنتخب الوطني في أن يكون سفيرا صادقًا للأردن، ينقل صورة إيجابية، ويعكس إرادة وطن لا يعرف المستحيل رغم التحديات. وهذه الرسالة، وإن بدت رياضية في ظاهرها، إلا أنها اقتصادية واستثمارية في جوهرها، لأنها تعزز الثقة، وتبني السمعة، وتفتح الأبواب أمام فرص جديدة.
إن تعزيز دور المنتخب الوطني، ودعم إنجازاته، وتوظيف نجاحاته ضمن رؤية وطنية متكاملة لاقتصاد الرياضة، يمثل فرصة حقيقية للأردن لتعظيم مكاسبه غير التقليدية، وتحويل الإنجاز الرياضي إلى قيمة اقتصادية مستدامة.
نهاية القول فقد نجح المنتخب الوطني في جذب الانتباه والاستثمار في الاردن، وأثبت المنتخب أن الرياضة ليست ترفا، بل أداة استراتيجية قادرة على صناعة الفارق. فهو نموذج حيّ لكيف يمكن للإنجاز الرياضي أن يتحول إلى رافعة اقتصادية، ومنصة استثمارية، ورسالة وطنية تعكس طموح الأردن ومكانته بين الأمم.
فالمنتخب الوطني لم يرفع فقط راية الوطن في الملاعب، بل رفع اسم الأردن عاليا في أعين العالم، وفتح آفاقًا جديدة للاقتصاد، والاستثمار، والأمل بالمستقبل.