حين لعب الأردن كله… وسُرقت الفرحة
م. بسام ابو النصر
21-12-2025 06:51 PM
لم أكن يومًا من أولئك المولعين بكرة القدم، ولا من حفظة أسماء لاعبي المنتخبات أو أندية أوروبا الشهيرة، تلك الأسماء التي يرددها أبنائي وبعض اصدقائي عن ظهر قلب، ويعرفون أدق تفاصيل مسيرات نجومها. كنت دائمًا أقف على مسافة من المستطيل الأخضر، أراقب من بعيد، بلا انفعال يُذكر.
لكن ما حدث مع منتخبنا الوطني الأردني، منتخب النشامى، كان استثناءً لا يشبه ما قبله.
هذه المرة فقط، وقفت بزهو حقيقي. شعرت أن رقبتي تطاول السماء مع كل هدف يسجله يزن او علوان أو مرضي أو شرارة. لم أعد أراهم لاعبين فحسب، بل رأيتهم إخوة وأبناء، ورأيت الأردن كله يلعب معهم، يركض مع الكرة، ويقفز مع الهدف، ويحبس أنفاسه في كل هجمة، ثم يطلقها فرحًا أو وجعًا.
أعرف أننا نلعب كأس العرب، مع أشقائنا في الدم والمصير، وأعرف أن هذه المسميات التي حملتها أقطارنا ما كانت لتكون لو أن دولة الوحدة قامت يومًا من المحيط إلى الخليج. ومع ذلك، كان الزهو أردنيًا خالصًا، دافئًا، صادقًا، جعلني أتابع كل تفصيلة لم أكن أهتم بها من قبل، الجمهور، أسماء الحكام، الوجوه الحاضرة في المدرجات ممن أعرفهم، وحتى التفاصيل الصغيرة التي تصنع المشهد الكبير.
صرت أتابع يوميًا صور الأهداف، مواقف اللاعبين، ضحكاتهم، أهازيجهم، دبكاتهم التي تشبهنا. تابعت أخبار يزن النعيمات قبل الإصابة وبعدها، وكأن الأمر شأن عائلي لا خبر رياضي عابر. بدأت أتهيأ للكتابة عن هذا المنتخب الذي حاز إعجاب الجماهير العربية كلها، وعن حالة نادرة من الاحترام والإجماع قلّما تحققت.
تابعت المعلقين والمحللين في مختلف القنوات، ماذا يقولون عن النشامى؟ كيف يصفون أداءهم وروحهم وانضباطهم؟ وتأملت حضور الأمراء الهاشميين في المدرجات، وتوقفت طويلًا عند مشهد ولي العهد بين الجماهير، كأنه ينتمي لعوائلهم وكأن بينهم أمانًا لا يُشبه أي مكان آخر، علاقة ثقة طبيعية، بلا حواجز ولا تكلّف.
وفي هذا السياق الإنساني العميق، حضرت المباراة النهائية في روابي السلط، في مزرعة الزميل المهندس بشار أبو دولة، بترتيب كريم من الزميل المهندس نائل سمور، وبحضور أساتذتي في الجامعة، مع حفظ ألقابهم العلمية:
الدكتور محمد عثمان، والدكتور علي بدران، والدكتور عمر الأصفر، والدكتور خالد الأصفر، إلى جانب نخبة من العلماء والأساتذة من الجيل الثاني لمهندسي الميكانيك، الذين كانوا من أوائل خريجي جامعة اليرموك قبل انتقالهم إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا.
كان اللقاء حارًا، حميميًا، مشبعًا بالذكريات والاحترام، واختلطت مشاعر الدفء الإنساني بلهيب المباراة، في مشهد كان يمكن أن يتحول إلى فرحة مكتملة، لولا أن الصفارة قررت، مرة أخرى، أن تسرق فرحتنا جميعًا.
ثم جاء المشهد الآخر، المختلف، المؤلم.
أعدت مشاهدة المباراة النهائية، تلك التي شعرت فيها أن فرحة ما قد سُرقت مني، ومن كل أردني، كما سُرقت من قبل في بطولة آسيا. بدأت أُمعن النظر في فكرة أعمق من مجرد خسارة مباراة، فكرة الأشياء التي تُغتصب في هذا العالم. ليس فقط الأرض، ولا الممتلكات المادية، بل الفرح نفسه.
الفرح حين يُنتزع ظلمًا، يقترب في معناه من الأرض، ومن الإنسان ذاته. يصبح اغتصابه جريمة كاملة الأركان.
سواء أكانت السرقة عمدًا أم دون قصد، فالنتيجة واحدة. الحكم السويدي هنا، كما الحكم الصيني في بطولة آسيا، سرقوا فرحتنا. اغتصبوا لحظة كان يستحقها هذا المنتخب، وهذا الشعب، وهذه الحالة النادرة من الالتفاف الوطني الصادق.
ومع ذلك، بقي شيء لم يُسرق.
بقي هذا الشعور بأن منتخب النشامى لم يكن فريق كرة قدم فقط، بل مرآة لوطن كامل، وقف شامخًا، خسر المباراة النهائية وكسب البطولة ، وربح احترام الجميع.
وذلك، في زمن كهذا، انتصار لا يُلغيه حكم، ولا تصادره صافرة.