تحركات السفير الأمريكي: بين الدبلوماسية وحساسية الموقف
احمد الرفاعي
22-12-2025 09:36 PM
أثارت جولات السفير الأمريكي في عدد من المناطق الأردنية نقاشًا واسعًا في الشارع العام، وتباينت حولها الآراء بين مؤيد وناقد.
هذا التفاعل بحد ذاته يعكس حيوية المجتمع الأردني واهتمامه بالشأن العام، إلا أن النقاش يكتسب قيمته الحقيقية عندما يُدار ضمن إطار سياسي واعٍ، يستند إلى فهم طبيعة العمل الدبلوماسي وخصوصية المجتمع الأردني في آنٍ واحد.
من حيث المبدأ، فإن تحركات أي سفير أجنبي تخضع للأعراف الدبلوماسية الدولية، وتتم بعلم وموافقة الدولة المضيفة، ولا يمكن فصلها عن سياق العلاقات الرسمية بين الدول. وعليه، فإن قراءة هذه الجولات على أنها تجاوز للسيادة أو تدخل غير مشروع لا تستند إلى أساس سياسي أو قانوني متين، طالما أنها تتم ضمن الأطر المعمول بها.
في المقابل، من المهم الإقرار بأن المجتمع الأردني يتمتع بخصوصية اجتماعية وثقافية عميقة الجذور، تحكمها منظومة من العادات والتقاليد المتراكمة، والتي تشكل جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية، وهذه الخصوصية تعطي المساحة الواسعة لأي سفير بان ينخرط بالمجتمع الاردني اكثر من غيره من السفراء في الدول الاخرى.
وللمقارنة، فإن السفير الأردني في واشنطن يتمتع هو الآخر بحرية الحركة والتمثيل السياسي، لكنه لا يجد بالضرورة أرضية اجتماعية أو تقاليد مجتمعية منسجمة تتيح له الانخراط الاجتماعي بالطريقة ذاتها، نظرًا لاختلاف البنى الثقافية والاجتماعية بين المجتمعين. هذا الاختلاف لا يُعد خللًا، بل حقيقة طبيعية تفرضها خصوصية كل مجتمع.
من هنا، فإن التعامل مع جولات السفراء يجب أن يكون سياسيًا ناضجًا، يوازن بين احترام العمل الدبلوماسي، وصون الحساسية الاجتماعية، دون الانزلاق إلى خطاب انفعالي أو تصعيد غير مبرر. فالدولة الأردنية بتاريخها وخبرتها قادرة على إدارة علاقاتها الخارجية بما يحفظ مصالحها الوطنية، ويصون كرامة مجتمعها، دون الحاجة إلى ردود فعل متشنجة.
إن قوة الأردن لم تكن يومًا في رفع الصوت، بل في رصانة الموقف، ووضوح البوصلة، وثقة المواطن بدولته ومؤسساتها. والنقد، حين يكون مطلوبًا، يكون أكثر تأثيرًا عندما يُقدَّم بعقل بارد، ولغة سياسية مسؤولة، تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار آخر.