لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في العمل أو البحث، بل تحوّل خلال سنوات قليلة إلى صناعة ضخمة ذات كلفة بيئية حقيقية، بدأت تتكشف أبعادها مؤخرًا، وعلى رأسها الأثر المتزايد على الموارد المائية، ان هذه حقيقة وليست مبالغة إعلامية، انها خلاصة ما توصلت إليه دراسات علمية وتقارير دولية موثوقة.

تشير دراسة بحثية أعدّها باحثون من Vrije Universiteit Amsterdam الى أن التوسع العالمي في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة النماذج التوليدية ومراكز البيانات الداعمة لها، قد يؤدي إلى استهلاك يتراوح بين 312 و764 مليار لتر من المياه سنويًا بحلول عام 2025، وذلك نتيجة الاستخدام المباشر للمياه في تبريد مراكز البيانات، إضافة إلى الاستهلاك غير المباشر المرتبط بتوليد الكهرباء، كما وتؤكد مجلة WIRED في تحقيق موسّع أن الجزء الأكبر من هذا الاستهلاك، لا يكون ظاهرًا للمستخدم العادي، إذ لا يقتصر على الماء المستخدم داخل مراكز البيانات، بل يشمل كميات ضخمة من المياه اللازمة لتشغيل محطات الطاقة التي تغذي هذه المراكز بالكهرباء، وهو ما يُعرف بـالبصمة المائية غير المباشرة

ولا يتوقف الأثر عند المياه فقط، إذ تشير الدراسة نفسها إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مسؤولًا عن انبعاثات تتراوح بين 32 و80 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، ما يربط أزمة المياه مباشرة بأزمة المناخ والطاقة. من جهتها، تحذر منظمة اليونسكو في تقرير World Water Development Report من أن التحول الرقمي غير المنضبط، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، قد يخلق ضغوطًا جديدة على الموارد المائية، خاصة في الدول التي تعاني أصلًا من شح المياه، داعية إلى دمج الاعتبارات البيئية والمائية في سياسات التحول الرقمي.

المفارقة أن الذكاء الاصطناعي يُسوَّق غالبًا كحل لترشيد المياه في الزراعة وإدارة الموارد، بينما يُستخدم في المقابل بشكل مفرط في التسلية، والترفيه، وإنتاج محتوى استهلاكي ضخم لا يضيف قيمة حقيقية، لكنه يراكم ضغطًا بيئيًا متزايدًا، فكل سؤال غير ضروري، وكل استخدام ترفيهي مكثف، يعني تشغيل خوادم إضافية، وطاقة أعلى، ومياه أكثر لكي لا افهم خطأ، ان لست ضد الذكاء الاصطناعي، بل ضد سوء استخدامه. فالتقنية في ذاتها محايدة، لكن طريقة الاستخدام هي التي تحدد إن كانت أداة تنمية أم عبئًا جديدًا على الموارد، وتشدد تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي على ضرورة الانتقال إلى مفهوم الذكاء الاصطناعي المسؤول بيئيًا، وربط توسعه بمعايير الاستدامة لا فقط بالربحية والسرعة.

ختامًا، أن الذكاء الاصطناعي، رغم فوائده الكبيرة، يجب أن يُستخدم للضرورة، للإنتاج، للعلم، ولتحسين جودة الحياة، لا كأداة تسلية مفتوحة بلا وعي أو حدود، فالأمن المائي لم يعد ترفًا بيئيًا، بل قضية وجود، وأي استنزاف غير محسوب اليوم، سيدفع ثمنه الإنسان غدًا.

في زمن الشح، يصبح ترشيد استخدام التكنولوجيا مسؤولية أخلاقية، تمامًا كما هو ترشيد الماء والطاقة.