في الآونة الأخيرة اجتمع الشعب الأردني بكامل أطيافه لمتابعة وتشجيع المنتخب الوطني الأردني عن كثب، وهو يخوض ملاحم كروية ويسطر التاريخ في مختلف البطولات الإقليمية والدولية، خصوصاً خلال العامين الماضيين، إذ حقق لقب الوصيف بتأهله إلى نهائي كأس آسيا 2023 بقيادة المدرب المغربي المتميّز حسين عموتة. كما حقق مؤخراً إنجازاً تاريخياً بتأهله إلى بطولة كأس العالم 2026 لأول مرة منذ تأسيسه، إضافةً إلى نيله لقب الوصيف في كأس العرب 2025 تحت إشراف وقيادة العقل الفني اللامع المدرب المغربي جمال السلامي.

فهذا المنتخب ليس مجرد فريق رياضي لكرة القدم بل هو لوحة فسيفسائية تُجَسّد نواة المجتمع الأردني الأصيل حيث تجد لاعبيه ينحدرون من شتّى الأصول والمنابت، ويلعبون بروح الفريق الواحد لتحقيق الفوز وصناعة الإنجاز. فتجد من اللاعبين ابنَ البادية والقرية والمدينة والمخيم ،المسلم والمسيحي، كلّهم على حدٍّ سواء أردنيّو الانتماء وهاشميّو الولاء، تحت مظلة المملكة الأردنية الهاشمية. وذلك لأنهم يدركون أنَّ ما يوحّدهم أكثر ممّا يفرّقهم، ويعلمون أنَّ غايتهم الأسمى هي رفع اسم وطنهم الأردن عالياً حتى يذيع صيته الطيب في كل أصقاع الأرض. وهذا يعكس بالفعل حال الشعب الأردني الذي يُشكّل نسيجاً مجتمعياً فريداً تسوده التعددية العرقية والدينية والتنوع الثقافي والاجتماعي، وتربطه روابط الأخوّة والمودّة والمواطنة الفاعلة، والاحترام المتبادل، بعيداً كل البعد عن أفكار التطرف والتعصّب، مبرزاً صورة بهية ومشرقة للوحدة الوطنية التي تسودها الوسطيّة والاعتدال في الفكر والمنهج في مختلف مجالات الحياة.

ففي صورة مميّزة تداولتها مختلف وسائل الإعلام مؤخراً، يظهرُ فيها بعضُ لاعبي المنتخب يحتفلون على طريقتهم الخاصة بعد تسديد هدف في مرمى الفريق الخصم، فمنهم من سجد على الأرض وكبّر ومنهم من ركع ورسم إشارة الصليب على صدره شكراً وحمداً لله على توفيقه كلٌ حسب معتقده. وهذا تماماً هو الأردن الذي يضم الجميع تحت جناحيه، مُقدّماً دروساً في الوئام الديني والعيش المشترك بين كل مكوّنات المجتمع، ومُثبتاً بذلك أنه بالفعل منارةُ سلامٍ وواحةٌ للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي مشهد آخر قبل عامين ظهر لاعبو المنتخب مرتدين الشماغ الأردني مدمجاً مع الكوفية الفلسطينية، دلالةً على أنَّ القضية الفلسطينية هي قضية الأردنيين المحورية والأساسية، وأنَّ الدفاعَ عنها واجب، معبرين عن نبض الشارع الأردني بأن الشعب الأردني والفلسطيني شعبٌ واحد، ووجعهم وفرحتهم واحدة.

ومن اللافت أنّ الكرة الأردنية تحظى باهتمام ودعم مَلَكي على كل الأصعدة، فلا تخلو مباراة للمنتخب إلا ويحضرها أحد أفراد العائلة الهاشمية الكريمة. فدائماً يكونون السّبّاقين في الميدان لمؤازرة المنتخب وتقديم الدعم المعنوي له. فتعودنا على رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين وجلالة الملكة رانيا العبدالله وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله حفظهم الله جميعهم، في المدرجات يشجعون اللاعبين بكل قوة وحماسة. ولا ننسى الجهد الاستثنائي الذي يبذله سمو ولي العهد بدوره في دعم وتمكين الشباب الأردني، خصيصاً الأندية الأردنية في مختلف الرياضات ولا سيما الاتحاد الأردني لكرة القدم الذي يترأسه سمو الأمير علي بن الحسين، والذي يتمتع بخبرة عالية في مجال كرة القدم على المستوى الدولي حيث تولّى سابقاً عدة مناصب مرموقة في مختلف الاتحادات الكروية العالمية وكان مرشّحاً سابقاً لرئاسة الفيفا. ولسموه جزيل الفضل في دوره البارز وجهوده اللامتناهية في تطوير الكرة الأردنية على مدى سنوات، حتّى غدت حاضرةً على المستوى العالمي بروحٍ تنافسيةٍ وحرفيةٍ عاليةٍ جداً.

فمنتخبنا الأردني ما هو إلا ممثلٌ حقيقي عن عامة الشعب، فهم أبناؤنا الذين نشأوا في حاراتنا وتربّوا في بيئاتنا وواجهوا تحدياتنا وعاصروا كل الأحداث التي عشناها منذ أن وعينا على هذه الدنيا. إنَّ حبَّهم وانتماءَهم للأردن وولاءَهم للقيادة الهاشمية يبرز ما في داخل كل الأردنيين من عشق لتراب هذا الوطن والتضحية بكل شيء من أجل رفعته بين الأمم.