البيوت ليست جدرانًا وسقوفًا، بل ذاكرة دافئة تحفظ الضحكات والحكايات، وتخبئ في زواياها أصوات من مرّوا وتركوا أثرًا.

وفي الجلسات الثقافية، يصبح البيت فكرةً حيّة ، تُضاء بالعقول، وتُنعش بالحوار، وتكبر بالكلمة الصادقة.

هناك، لا نلتقي فقط لنتبادل الحديث، بل لنصغي، لنفهم، ولنمنح الأفكار حقها في الحياة.

فما أجمل بيتًا تُفتح فيه النوافذ للعقل، وتُفرش أرضه بالاحترام، وتُقدَّم فيه القهوة مع سؤالٍ عميق وحديثٍ لا يُنسى.

من أجمل المبادرات الراسخة في الذاكرة، والتي لا تغيب عن البال، تلك المبادرة التي نفّذها الدكتور جمال الدباس بالتعاون مع مديرية ثقافة محافظة البلقاء، وذلك خلال فترة خدمتي مديرًا لثقافة محافظة البلقاء.

وفي إطار دعم الحراك الثقافي وتعزيز دور اللقاءات الأدبية في المجتمع، بادر طبيب القلب الدكتور جمال الدباس إلى إقامة أمسية ثقافية في منزله العامر، استضاف خلالها مجموعة من الشعراء العرب والأردنيين في ملتقى اتسم بالرقي والتنظيم وحسن الضيافة. وقد جاءت هذه المبادرة لتعكس قناعة راسخة بأهمية الثقافة بوصفها رافدًا أساسيًا للوعي العام، وعنصرًا من عناصر الارتقاء بالمجتمع.

وقد شارك في الأمسية كلٌّ من الشاعر سعود ربيع العازمي من دولة الكويت، والشاعر ياسر بن العتيق من المملكة العربية السعودية، إضافة إلى ضيف الشرف شاعر الأمراء الشاعر السعودي الكبير مانع بن شلحاط. كما حضر من الأردن المرحوم الشاعر عيد النسور، و المرحوم الشاعر الدكتور محمد عطيات، والشاعر عماد الغزو رئيس ملتقى التراث والأدب الشعبي. وتزامنت الأمسية مع إقامة معرض للكتاب أضاف قيمة معرفية إلى الفعالية.

وشهدت الأمسية حضور عدد من رجالات مدينة السلط وشخصياتها الاجتماعية، في لقاءٍ جمع بين الشعر والأدب والنقاش الثقافي الواعٍ، وأكد أهمية هذه المبادرات في تعزيز التواصل بين المبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي. إن مثل هذه اللقاءات، التي تُعقد في بيوت عامرة بأصحابها، تُسهم في إبراز شخصيات أدبية مؤثرة، وتوفر بيئة خصبة للحوار وتبادل الأفكار ومناقشة الكتب والقصائد في أجواء احتفائية تتسم بالهدوء والرقي، ولا سيما مع حضور الربابة بوصفها جزءًا أصيلًا من التراث الأدبي العربي.

وانطلاقًا من أهمية هذه التجربة، فإن الدعوة موجّهة إلى الأدباء والفاعلين الثقافيين في مدينة السلط لتبنّي مبادرات مماثلة تُثري المشهد الثقافي وتدعم جهود وزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية الأخرى في نشر الوعي وتعزيز قيمة الأدب والفنون.

ختامًا، اتقدم بوافر الشكر والتقدير إلى الدكتور جمال الدباس على هذه المبادرة المميزة، التي كان لها أثر واضح في إحياء الروح الثقافية، وقدّمت للقلوب غذاءً معنويًا لا يقل أثرًا عن العلاج الطبي الذي اعتاد تقديمه لمرضاه.