من على قمة احد جبال الطفيلة التي تناظر الخليل أطل الصديق العتيق الاستاذ الدكتور ربحي عليان التربوي الرزين واستاذ علم المكتبات على القرية التي ولدت فيها "عيمة" والتقط له المرافق بعض الصور التي ارسلها لي وتمنيت لو اني برفقته لاقوم ببعض من واجب استقبال وتكريم هذه الشخصية الأكاديمية المقدرة والمحبوبة والتي قدمت للأكاديميا والتعليم ما لا يمكن حصره.
الدكتور ربحي كان ولا يزال زميلا وصديقا مميزا فقد عرفته إبان دراستنا الجامعية الاولى في الجامعة الاردنية حيث دخلنا الجامعة وتخرجنا منها معا واختار بعدها ان يكمل دراسته في علم المكتبات التي ابدع فيها واصبح رائدا لا يكاد يمر عام دون ان يقدم اضافة نوعية للميدان الذي ازدهر بفضل جهوده واسهامات رفاقه في التخصص والجمعية المتخصصة التي رأسها لأعوام.
لا استطيع وصف سعادتي بهذه الزيارة بالرغم اني لم اكن هناك ولا يسعني الا القول اهلا بك يا صديقي هنا في الطفيلة وعلى مشارف القرية التي عشت فيها أولى سنوات عمري وبقيت متعلقا بها واهلها وجوارها ففيها تعلمت حب الوطن والعروبة والهوية وكل القيم الانسانية التي بقيت مرجعياتي واطار فكري وعملي.
اطلالتك على قريتي بعثت في نفسي الكثير من المشاعر ..فقد اكدت لي حقيقة اننا نتشابه كثيرا في حبنا للارض والناس وفي عفويتنا وصدق مشاعرنا وانتمائنا للعروبة واخوتنا فقد ذكرتني وقفتك هذه في رحلة العمل التي اخذتني للضفة الغربية في تسعينيات القرن الماضي لتنفيذ برنامج تدريبي يهدف الى " اعادة دمج الاسرى المحررين في اعقاب التوقيع على معاهدة السلام بين المنظمة والكيان "
كنت في تلك الرحلة احرص على زيارة كل قرية فلسطينية ارتبط اسم صديق لي فيها . فقد زرت ابو ديس ودير دبوان ودوره وبير زيت وحلحول وبتير وعطاره ومئات القرى الفلسطينية كنت اتجول في شوارع القرى والمدن واتوقف عند عيون الماء والينابيع واستمع الى قصص وروايات من اصادفهم .
اخي العزيز لا جمال يضاهي جمال وقفتك هذه وأود ان اقول لك بحب ان قريتي عيمة سعدت بإطلالتك هذه فهي التي ينام ابناءها ويصحون على الهم الذي يعيشه اهلنا في فلسطين ويقلق احرار الامة . فلا شيء يشغلهم ويستولي على اهتمامهم اكثر من معاناة اخوانهم في القطاع والضفة....
اهل هذه القرية وحيهم في عمان "حي الطفايلة " هم الذين ما تناسوا يوما أن لهم أخوة تحت الاحتلال يعانون من القتل والدمار والابادة ...وان لا فرق بين يالو وعيمه .. ففي كلا القريتين ايمان وصدق والتزام بأن الحق لا يضيع وأن القضايا العادلة حية لا تموت .
الصديق وزميل الدراسة في سبعينيات القرن الماضي الاستاذ الدكتور ربحي عليان استاذ علم المكتبات والرئيس الأسبق لجمعية المكتبات الاردنية كان في مهمة قبل اسبوع في جنوب الاردن حيث اسضافت جامعة الطفيلة التقنية عددا من المختصين في علم المكتبات في ورشة تدريبة نظمتها الجامعة .
مع نهاية الورشة طلب الصديق ربحي الذي كرس حياته للقراءة والكتاب وجسد قول المتنبي " وخير جليس في الزمان كتاب " من السائق الذي رافقه في الرحلة ان يأخذه الى قريتنا عيمة واطل عليها من مرتفعات القنان " قنان الثوابية " وبيده كتابي " وكأني لا زلت هناك ".
من هذه المرتفعات الكتف التي تعلو سطح القرية بما يزيد على ٦٠٠ متر ترى جبال الخليل التي تشكل خلفية للاغوار الجنوبية ونهايات البحر الميت
الشكر البالغ للصديق الذي لم يتبدل خلقه ولا صدقه وصداقته منذ ان عرفته قبل اكثر من خمسين عاما فقد كان ربحي عليان " مع حفظ الالقاب " ولا يزال واحدا من اقرب الاصدقاء وأكثرهم نبلا ووفاء وقد سعدت الطفيلة ان كنت ضيفا عليها ولو أخبرتني بقدومك لرافقتك لنطوف معا في جنبات المكان الذي احببته ولا ازال أحن الى كل تفاصيله التي ارتسمت في ذاكرتي ولا تزال مرجعا لخبراتي واحساسي وحنيني .