بالتزامن مع أمطار الخير .. الأردن يعزز جاهزيته بخطة وطنية درءا للمخاطر
27-12-2025 08:05 PM
عمون - مع دخول المملكة منخفضات جوية متتابعة اعتبارا من السبت يؤكد خبراء في مجال إدارة الكوارث والأرصاد الجوية أن الأردن يعزز جاهزيته بشكل لافت عبر خطة وطنية متكاملة توحد جهود العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة.
وتواصل الجهات المعنية رفع جاهزيتها على مدار الساعة، مع التركيز على المناطق الأكثر عرضة للسيول والانزلاقات، ضمن النهج التخطيطي الاستباقي والتكاملي، لتبرز أهمية الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث (2023-2030) كخط دفاع مركزي لحماية الأرواح والممتلكات، ضمن خارطة ممنهجة في تنسيق الجهود والمشاورات الوطنية بين مختلف القطاعات ذات الصلة؛ لضمان استدامة الخدمات الأساسية وفق أعلى معايير الكفاءة خاصة في ظل حالة عدم استقرار الأحوال الجوية في فصل الشتاء.
وفيما تحذر دائرة الأرصاد من منخفضات جوية متعاقبة هذا الأسبوع، يقول متحدثون إن الرهان الأكبر هو وعي المواطن والتزامه بالإرشادات والتحذيرات الصادرة عن الجهات الرسمية، إذ يتحول الالتزام الفردي إلى درع واقٍ يترجم الخطط إلى واقع يقلل الخسائر، ويصون المكتسبات في مواجهة تقلبات الشتاء وتداعيات التغير المناخي.
مدير وحدة الاستجابة الإعلامية في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، الدكتور أحمد النعيمات، يؤكد أن المركز يتابع، لحظيًا، تطورات الحالة الجوية مع الجهات المعنية لضمان جاهزية مؤسسات الدولة والاستجابة لأي مستجدات ميدانية.
وقال، إن التغير المناخي أدى خلال السنوات الأخيرة إلى تغيّر واضح في نمط السلوك الجوي، حيث ازدادت وتيرة حالات عدم الاستقرار، وأصبحت السمة البارزة للمواسم المطرية، ما يرفع من احتمالية حدوث الفيضانات الومضية وما يرافقها من خسائر بشرية ومادية.
وأضاف، إن المركز يركّز في عمله على الحالات الجوية ذات المخاطر الفعلية وتحديداً حالات عدم الاستقرار الجوي، كونها من أكثر الحالات تعقيداً وصعوبة في التنبؤ من حيث شدة الهطول المطري وتوقيته وموقعه، إضافة إلى كونها المسبب الرئيس لحدوث الفيضانات الومضية؛ وهي فيضانات مفاجئة قد تخلّف – لا قدّر الله – خسائر بشرية ومادية كبيرة.
وأشار النعيمات الى أن تجمعات المياه الناتجة عن الحالات المطرية الاعتيادية لا تندرج ضمن المخاطر الاستراتيجية التي يتابعها المركز، إذ تُعالج من قبل جهات أخرى مختصة، بينما ينصبّ تركيز المركز على الحالات التي تتضمن تهديدات مباشرة تتعلق بالسلامة العامة.
وأشار إلى أن المركز يصدر تحذيراته عندما تشير النماذج والمؤشرات الجوية إلى وجود مخاطر حقيقية مرتبطة بحالات عدم الاستقرار، داعيًا المواطنين إلى متابعة التحديثات الجوية أولاً بأول، والابتعاد عن مجاري السيول، والالتزام بإرشادات الجهات المختصة حفاظًا على سلامتهم.
وعلى صعيد التعامل الميداني، قال أمين عام الشؤون الإدارية المالية بالوكالة في وزارة الإدارة المحلية الدكتور بكر أحمد الرحامنة: إن الوزارة تفعّل نظام الإنذار المبكر للظروف الجوية اعتمادا على الخرائط الجوية التي تصدرها دائرة الأرصاد لتحديد المناطق عالية الخطورة وتوزيعها على البلديات من أجل رفع جاهزيتها للتعامل مع الطوارئ والمستجدات الناجمة عن التغيرات الجوية المفاجئة.
وأشار الرحامنة استمرار تنفيذ أعمال تنظيف العبارات ومجاري السيول والأودية وإزالة العوائق قبل وأثناء الحالات الجوية، إضافة الى رصد مجموعة من البؤر الساخنة خلال المنخفضات السابقة، حيث تم إجراء الدراسات لمعالجتها.
وأوضح أن هناك بؤرا تم رصد مبالغ لها وفق موازنة 2026 ليتم معالجتها، مشيرا الى أن الوزارة طلبت من البلديات تخصيص مبالغ مالية لمشاريع البنية التحتية في موازنة العام القادم.
وتزامنا مع المنخفضات الجوية، لفت الرحامنة إلى وجود مراكز إيواء في معظم بلديات المملكة، وحث المواطنين على توخي أقصى درجات الحيطة والحذر والابتعاد عن الأماكن المنخفضة ومجاري الأودية ومواقع تجمع مياه الأمطار، خاصةً خلال المنخفضات الجوية والأمطار الغزيرة، لتجنب خطر السيول المفاجئة التي قد تشكل تهديداً على الأرواح والممتلكات، حيث أنه من المتوقع ارتفاع منسوب المياه في تلك المناطق.
وكان مدير إدارة الأرصاد الجوية رائد رافد آل خطاب كشف عن توجه لإطلاق تطبيق ذكي للهواتف المحمولة يوفّر تحديثات جوية فورية وتحذيرات آنية للمواطنين، إضافة إلى العمل على إنشاء رادار طقس في جنوب المملكة لاستكمال التغطية الجوية، والاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في نماذج محاكاة الغلاف الجوي وتحليل البيانات المناخية بدقة أعلى.
وأكد آل خطاب أن "لدى الإدارة هدفا استراتيجيا يتمثل في المساهمة بحماية الأرواح والممتلكات"، موضحا أن إدارة الأرصاد الجوية ترتبط بشبكة واسعة من المؤسسات الحكومية والوزارات والقطاع الخاص، تضم نحو 300 ضابط ارتباط، يتم تزويدهم بالنشرات الجوية والتحذيرات بشكل دوري صباحًا ومساءً عبر البريد الإلكتروني ومجموعات (واتساب) المعتمدة، بهدف إرشاد المواطنين واتخاذ التدابير الوقائية اللازمة.
وأضاف، إن هناك تنسيقًا مباشرًا مع المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات من خلال متنبئ جوي في مركز الوطني يزوّد الجهات المختصة بالمعلومات والتحذيرات الخاصة بكل منطقة في المملكة، إلى جانب تزويد البلديات وأمانة عمّان ووزارة الأشغال ووزارتي الزراعة والإدارة المحلية، بالإضافة إلى الدفاع المدني الذي يتم تزويده بالتحذيرات أولًا بأول.
وأكد آل خطاب أهمية وسائل الإعلام في إيصال التحذيرات الجوية إلى أوسع شريحة ممكنة من المواطنين، موضحًا أن الإدارة تمتلك موقعًا إلكترونيًا وحضورًا فاعلًا على منصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى قناة (واتساب) تضم عددًا كبيرًا من المشتركين لنشر التحذيرات والإنذارات وفقًا لطبيعة الحالة الجوية وحدّتها.
وأوضح أن النشرات الجوية و التحذيرات لها تأثير مباشر على الاقتصاد والمؤسسات واستنزاف الطاقات، معتبرًا أن التحذيرات الصادرة عن إدارة الأرصاد الجوية تمثل المرجع الرسمي والحاسم للنشرات الجوية في المملكة، لافتا الى أن الإدارة تزوّد الطيارين بمعلومات دقيقة تشمل الغيوم الخطرة، المطبات الهوائية، سرعة الرياح واتجاهها، وحالة المطارات، إضافة إلى إرشادهم إلى مطارات بديلة في حال الطوارئ.
وأوضح أنه في حالات عدم الاستقرار الجوي قد تشهد مناطق المملكة ظروفًا متباينة، حيث قد تهطل الأمطار في منطقة بينما تتشكل سيول وميضية خطرة في مناطق أخرى، ما يستوجب أخذ الحيطة والحذر من الجميع، لافتا الى أن الأرصاد الأردنية تمتلك بنكًا مناخيًا وطنيًا يزيد عمره على 100 عام، ويُعد من أقدم البنوك المناخية في المنطقة، ويحتوي على بيانات تعود إلى عام 1921.
من جهته قال خبير الدفاع المدني والمحاضر في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، اللواء متقاعد دفاع مدني الدكتور مروان بدر السميعات، إن الشتاء في الأردن، أصبح اختبارًا عمليًا لمنظومة وطنية متكاملة في إدارة المخاطر، حيث إن طبيعة تضاريس المملكة، إلى جانب تحولات المناخ الإقليمي وزيادة حدة الظواهر الجوية، جعلت من التعامل مع الشتاء قضية استراتيجية تتطلب تكاملًا مؤسسيًا ومجتمعيًا واستعدادًا استباقيًا.
وحَّدد السميعات وهو الأكاديمي في جامعة عمان الأهلية ثلاثة محاور رئيسة تعزز ريادة الأردن كنموذج إقليمي في الاستعداد الاستباقي والمرونة المؤسسية في إدارة مخاطر الشتاء الأول هو الجاهزية المؤسسية عبر التنسيق بين الدفاع المدني وجميع أجهزة الدولة، والانتشار في "النقاط الساخنة" وفق خرائط الخطورة التراكمية، حيث يتم التعامل مع الظروف الجوية الصعبة من خلال الفرق المتخصصة، مثل فرق "الإنقاذ المائي" و" الإنقاذ الجبلي، والمحور الثالث خطط التدخل السريع في حالات انقطاع الطرق، خاصة في المناطق الجبلية وتجهيز المركبات المجنزرة والقوارب لمناطق الأغوار والجنوب والمناطق ذات الخطورة العالية والاستعداد الكامل للتعامل مع حوادث الاختناق الناتجة عن تسرب الغاز واستخدام المدافئ.
وأشار الى المحور الثاني المتمثل بالجاهزية التشغيلية التي تتجسد بخطط الاستجابة السريعة لدى الجهات المعنية في الدولة والإدارة الفاعلة في حالة بلاغات الطوارئ عبر منظومة 911 ونظام البلاغات الذكي اللذين يتيحان سرعة تحديد موقع الحادث وتوجيه الفرق، وتفعيل مركز القيادة والسيطرة في مديرية الأمن العام، وتحديد مسارات الإسناد بين المحافظات.
ويمثل المحور الثالث بحسب السميعات الحلقة الأكثر أهمية وهو التعامل مع الحوادث المنزلية، موضحا أن 70% من حوادث الشتاء منزلية ومرتبطة بسلوكيات الأفراد، مثل الاستخدام الخاطئ لوسائل التدفئة، أو تركها مشتعلة أثناء النوم أو استخدام الفحم والحطب داخل المنازل دون تهوية؛ ما يؤدي إلى تراكم الغازات السامة، إضافة إلى سلوكيات البعض في المجازفة بعبور السيول؛ مما يعرّض الأرواح والممتلكات للخطر.
وأضاف، إن استعدادات مديرية الأمن العام/الدفاع المدني الأردني، تُعد انعكاسًا لروح التحديث والانفتاح على منهجيات إدارة المخاطر الحديثة، لافتًا إلى أن الخطط الشتوية تُبنى على تحليل شامل للمخاطر المحتملة، وتوظيف الموارد البشرية والتقنية، وتعزيز التنسيق بين المؤسسات الرسمية والمجتمع المحلي.
وفي إطار تعزيز السلامة المرورية والمنزلية، حذّر الخبير في السلامة العامة المهندس أحمد لجفوت من خطورة الأمطار الرعدية التي تتسم بعشوائية التوقيت والمكان، وما تُسببه من انجرافات التربة وتجمعات المياه المفاجئة.
ونصح لجفوت بضرورة تهوية المنازل كل ساعتين عند استخدام صوبات الغاز والكاز، لافتا الى التدفئة المركزية والمكيفات كخيارات أكثر أماناً، كما نصح بتعزيز الإجراءات الوقائية التي تشمل عزل أنابيب المياه وتفريغ الخزانات الشمسية تلافيا لتجمد المياه فيها، وتوفير معدات يدوية (مجرفة وفأس) وإضاءة احتياطية في المنازل.
(بترا- بشرى نيروخ وليث المومني)