سعى الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني منذ أكثر من عامين بمساع سياسية ودبلوماسية هي الأوسع والأكثر أثرا على مستوى دولي، خاطب العالم بلغته وبحقائق أبقت الحق الفلسطيني حاضرا على كافة المنابر الدولية وعواصم صنع القرار على مستوى دولي، سعى لإنهاء حرب الإبادة على الأهل في غزة، وبذات الوقت للمضي في تقديم المساعدات دون توقف، وفي أكثر الأوقات تعنّتا من إسرائيل لم تتوقف يد العون الأردنية داخل قطاع غزة من تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، فغدت الثوابت الأردنية إطارا عاما لخارطة طريق حقيقية للوقوف مع الأهل في غزة، عملا لا قولا.

ولم يتأخّر الأردن عن أي جهود سعت عربيا ودوليا لإنهاء الحرب على غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية للقطاع، فكان أول من يحضر وأكثر من يصرّ وأهم من يؤثّر تحديدا في حماية الحقوق الفلسطينية، وإحلال السلام، ليكون دوما الأردن حامي الحق الغزّي والفلسطيني، هكذا يراه الغزيون والفلسطينيون، والمقدسيون، بحسم القول إن الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني هو حامي الحقوق الفلسطينية بكافة تفاصيلها، في إقامة دولتهم على ترابهم الوطني، وفي منع التهجير ودعم بقاء الأونروا، وإيصال المساعدات، ووجود المستشفيات الميدانية، وعلاج أطفال غزة في المملكة، وغيرها من تفاصيل يعتبرها الفلسطينيون سببا لثباتهم وصمودهم، وأساسا في صون حقوقهم.

وبعدما توصّل العالم عربيا ودوليا لاتفاق إنهاء الحرب على غزة، المقترح من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدأ الأردن يشدد على ضرورة تنفيذه، وتحدث جلالة الملك بأكثر من لقاء ومباحثات واتصالات بضرورة الالتزام بتنفيذه، دون أي خروقات، ولم يغب عن الموقف الأردني التحذير من عدم الالتزام، ذلك أنها الفرصة الذهبية لإنهاء حرب إبادة ومجازر وتجويع إسرائيلي على الغزيين منذ أكثر من عامين، فالاتفاق هام وتنفيذه غاية في الأهمية.

وعمليا وعلى أرض الواقع ووفقا للخطة الزمنية تم البدء بتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ولكن مع الأسف ما حذر منه الأردن حدث، إذ سارت المرحلة الأولى بخطى سلحفائية من الجانب الإسرائيلي، ليس هذا فحسب، إنما بخروقات لجهة الاستمرار في قصف قطاع غزة، وبقاء جزئية كبيرة من العقبات أمام إيصال المساعدات للأهل في غزة، إلاّ أن الأردن لم يقف أمام ذلك مكتوف اليدين إنما سعى بكل ما أوتي من جهود سياسية لإعادة فتح جسر الملك الحسين، معبر الكرامة، لإعادة إرسال المساعدات الأردنية للأهل في غزة، وبذل ويبذل جهودا توصف دوما بالعظيمة لوقف إطلاق النار حتى تبدأ المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب.

وللأسف، على ما يبدو أنه حتى اللحظة فإن الحديث عن المرحلة الثانية من الاتفاق تضعنا أمام واقع متشابك، يسوده الغموض، والضبابية، ذلك أن هذه المرحلة وفقا لما أُعلن عنه من معلومات هي مرحلة أكثر تعقيدا من الأولى، فما بالك إذا ما رافق تطبيقها عرقلة إسرائيل لتطبيق المرحلة الأولى والتي تعدّ خطوة أولى ضرورية للقادم، وهو أيضا ما كان قد حذّر منه الأردن بضرورة الانتهاء من المرحلة الأولى والالتزام بتنفيذ الاتفاق بحرفيّة وعملية.

اليوم وفق دلالات كثيرة للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب على غزة، يقف على مفترق طريق التنفيذ من عدمه، فواقع الحال وتنصّل إسرائيل من التزاماتها الواردة في الاتفاق، يجعل منها مرحلة دقيقة وحسّاسة، يجعل من هذه المرحلة التي سيتم خلالها إنشاء مجلس السلام ووجود (قوة حفظ السلام)، وانسحاب جيوش الاحتلال، وتتضمن جوانب تتعلق بنظام الحكم ما بعد الحرب وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية، وبدء إعادة الإعمار، لكن للأسف ما يحدث يجعلها مرحلة صعبة المنال أمام عقبات إسرائيلية تعرقل الانتهاء من المرحلة الأولى.

تفاصيل كاملة لم تغب عن الصوت الأردني، الذي طالب ولا يزال بضرورة الالتزام بتنفيذ الاتفاق، وحذّر جلالة الملك عبد الله الثاني من أن «الشيطان يكمن في التفاصيل» في الاتفاق، وشدد جلالته في حينه على أنه بعد تحقيق وقف إطلاق النار في غزة، سيكون من الضروري أن يظل الرئيس الأميركي منخرطًا في العملية، هي رؤية جلالته العبقرية.

الدستور