facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الهجوم الإرهابي في أستراليا وتداعياته على الأمن المجتمعي والجاليات المسلمة


د. عماد الحمادين
28-12-2025 12:50 PM

شكّل الهجوم الإرهابي الذي نفّذه نافيد أكرم ووالده، وأسفر عن مقتل 15 شخصًا من اليهود المحتفلين بعيد الحانوكا على شاطئ بونداي في مدينة سيدني، نقطة تحوّل خطيرة في المشهد الأمني والسياسي الأسترالي. فالهجوم لم يكن مجرد حادث أمني معزول، بل حمل أبعادًا سياسية واجتماعية عميقة، خاصة في ظل إعلان السلطات الأسترالية عن وجود صلات فكرية وإعلامية بين المنفذين وتنظيم “الدولة الإسلامية”، استنادًا إلى المواد الدعائية التي عُثر عليها في السيارة المستخدمة في العملية.

تكتسب هذه العملية خطورتها من عدة مستويات متداخلة. أولًا، طبيعة الهدف، إذ استُهدفت الجالية اليهودية بشكل مباشر، ما أعاد إلى الواجهة ملف معاداة السامية في أستراليا، وربطه فورًا بسياقات دولية أوسع. ثانيًا، توقيت الهجوم الذي تزامن مع الحرب الجارية في قطاع غزة، حيث جرى الترويج، سياسيًا وإعلاميًا، لكون العملية “ردًا” على الحرب الإسرائيلية، وهو ربط أسهم في تسييس الحدث وتحويله من فعل إرهابي مدان إلى أداة في الصراع السردي الدولي.

في هذا السياق، ظهرت محاولات لربط الهجوم بتصاعد المظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية في أستراليا، وبشعارات مثل “فلسطين من البحر إلى النهر”، باعتبارها بيئة محفزة أو سببًا غير مباشر للعنف. غير أن هذا الطرح يعكس خلطًا منهجيًا بين الاحتجاج السياسي المشروع والعنف الإرهابي، ويُعد نموذجًا كلاسيكيًا لمنطق “الذنب بالاقتران”، الذي طالما استُخدم لتبرير استهداف الأقليات، لا سيما المسلمة.

سياسيًا، تحوّل الهجوم إلى ساحة صراع داخلي بين الأحزاب الأسترالية. فقد وُضع حزب العمال الحاكم، بقيادة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي، تحت ضغط مكثف، نظرًا لمواقفه السابقة الداعمة بحذر للقضية الفلسطينية، واعتراف حكومته بالسلطة الفلسطينية إلى جانب دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا. هذه المواقف جرى توظيفها لاحقًا كأداة اتهام، سواء من قبل المعارضة الداخلية أو من قبل أطراف خارجية، وعلى رأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ربط بين السماح بالمظاهرات المناوئة لإسرائيل وازدياد معاداة السامية ووقوع الهجوم.

في المقابل، سارع حزب الأحرار المعارض إلى استثمار الحادث سياسيًا، مقدّمًا نفسه كحامٍ للجالية اليهودية، ومتهمًا الحكومة بالتقصير في مواجهة معاداة السامية، بل وبالانحياز للفلسطينيين على حساب الأمن الوطني. هذا الخطاب لم يكن محايدًا، بل حمل دلالات إقصائية طالت بشكل غير مباشر الجاليات المسلمة، عبر إعادة إنتاج سرديات أمنية ترى في هذه الجاليات “بيئة مشتبه بها” أكثر من كونها جزءًا من النسيج الوطني.

إزاء هذا المشهد، حاول رئيس الوزراء ألبانيزي اتباع مقاربة احتوائية، ساعيًا إلى إظهار التعاطف مع الضحايا دون الانزلاق نحو شيطنة جماعية. فقد طرح مشروع قانون لسحب الأسلحة المرخصة وغير المرخصة وتعويض أصحابها، في محاولة لتحويل النقاش من صراع هوياتي إلى مقاربة أمنية شاملة. إلا أن هذه الخطوة قوبلت برفض شديد من المعارضة، التي رأت فيها تهربًا من “المشكلة الحقيقية”.

على مستوى الولايات، اتخذت الأزمة منحى أكثر تشددًا، حيث استغل رئيس ولاية نيو ساوث ويلز الحادث لتقديم تشريعات تقيد ما وُصف بـ”خطابات الكراهية”، شملت حظر المظاهرات المؤيدة لفلسطين، ومنع رفع الأعلام أو ترديد شعارات معينة، واعتبارها معادية للسامية. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات جدية حول حدود حرية التعبير، وإمكانية تحوّل مكافحة الكراهية إلى أداة لإسكات خطاب سياسي مشروع.

في المحصلة، أعادت هذه التطورات الجاليات المسلمة في أستراليا، وللمرة الأولى منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، إلى دائرة الاشتباه والوصم المجتمعي. فقد أظهرت متابعة الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي تحوّلًا واضحًا في المزاج الشعبي، غذّته الصور العاطفية لضحايا الهجوم، وعلى رأسها صورة الطفلة ماتيلدا ذات العشرة أعوام، التي تحولت إلى رمز إنساني قوي. ورافق ذلك تصاعد مقلق في الاعتداءات على المساجد، والتهديدات الموجهة للمسلمين، في مؤشر على تنامي الإسلاموفوبيا تحت ضغط الخوف والتسييس.

وسط هذا المناخ، برزت حالة أحمد الأحمد، اللاجئ السوري، الذي واجه الإرهابي وتمكن من تجريده من سلاحه، كنقطة تفكيك حاسمة للسرديات النمطية. فقد كشفت هذه الواقعة كيف يمكن للفعل الفردي الإيجابي أن يقوض خطابًا كاملًا قائمًا على التعميم. والمفارقة أن محاولة نسب هذا العمل البطولي في بدايته إلى هوية دينية أخرى، قبل انكشاف الحقيقة، عكست حجم التوظيف السياسي حتى للبطولة الإنسانية.

تُظهر هذه الحادثة بوضوح أن الإرهاب لا يهدد الأمن المادي فقط، بل يختبر أيضًا تماسك المجتمعات المتعددة وقدرتها على الفصل بين الجريمة والانتماء، وبين الفعل الفردي والهوية الجماعية. ومن هنا، فإن المعالجة الفعالة لا يمكن أن تكون أمنية فقط، بل يجب أن تتكامل مع خطاب سياسي مسؤول، وإعلام مهني، وسياسات اندماج تحصّن المجتمعات من الانزلاق نحو الاستقطاب والوصم الجماعي.

* مركز الدراسات الاستراتيجية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :