تُعد العلاقات الأردنية–الصينية نموذجًا متقدمًا للتعاون المتوازن بين دولة عربية محورية في الشرق الأوسط مثل الاردن وقوة دولية صاعدة ذات حضور اقتصادي وسياسي عالمي مثل الصين . وقد شهدت هذه العلاقات تطورًا نوعيًا خلال السنوات الأخيرة، شمل مجالات السياسة، و الاقتصاد، و الاستثمار، و الطاقة، وًالتعليم، والثقافة، في إطار شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

وفي هذا السياق، جاء حديث سعادةً السفير الصيني الجديد لدى المملكة، السيد قوه وي، مع قناة رؤيا أمس ليؤكد أن الأردن يشكل شريكًا موثوقًا ومحوريًا للصين في المنطقة، وأن بكين حريصة على الارتقاء بالعلاقات الثنائية من مستوى التعاون التقليدي إلى شراكات عملية طويلة الأمد، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، الاقتصاد الرقمي، والبنية التحتية.

أوضح سعادةً السفير الصيني قوه وي في إجاباته على أسئلة قناة رؤيا أن الصين تنظر إلى التحديث الاقتصادي الذي يقوده الأردن بوصفه فرصة حقيقية لتعميق التعاون، لا سيما في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مستفيدين من الخبرة والتكنولوجيا الصينية ومن البيئة الاستثمارية المستقرة في المملكة.

كما أشار إلى اهتمام بلاده بتوسيع التبادل التجاري والاستثماري، والتركيز على مشاريع ذات قيمة مضافة، تجمع بين نقل التكنولوجيا وبناء القدرات، وليس الاستثمار المالي فقط. ولفت إلى أن الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي يمثلان مسارًا مستقبليًا واعدًا للتعاون بين الجانبين.

وإلى جانب هذه التصريحات، لا يمكن قراءة تطور العلاقات الأردنية–الصينية بمعزل عن الدبلوماسية الثقافية التي انتهجتها الصين في السنوات الأخيرة، وهو ما اشرت اليه اثناء تراسي لمنتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في العاصمة بكين عام ٢٠١٠ و في عدد من مقالاتي السابقةً، وبشكل خاص في مقالي بعنوان « حوار مع صديق صيني»و المنشور في عمون الغراء بتاريخ ١/١١/٢٠١٥ ، بمناسبة انتهاء مهمة سعادة السفير الصيني في حينه
و في ذلك المقال، قدّمت شهادة دبلوماسية وإنسانية مهمة عن السفير الصيني السابق لدى الأردن، الذي تميز بإتقانه اللغة العربية بطلاقة، وفهمه العميق للثقافة العربية، ونسجه علاقات شخصية قائمة على الاحترام والود مع النخب السياسية والفكرية الأردنية. و هذه التجربة تعكس وعيًا صينيًا متقدمًا بأهمية القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية في تعزيز العلاقات الثنائية.

إن إرسال الصين لسفراء يتحدثون العربية بطلاقة إلى الأردن لا يُعد تفصيلًا بروتوكوليًا، بل خيارًا استراتيجيًا يعكس رغبة حقيقية في بناء جسور تواصل مباشرة مع المجتمع، وفهم أعمق للبيئة السياسية والثقافية، وهو ما أسهم في تعزيز الثقة المتبادلة وفتح قنوات حوار تتجاوز الإطار الرسمي .

و هنا استذكر الدور الكبير لسفراء الصين الذين كانت تربطني بهم علاقةً طيبةً على المستويين الرسمي و الشخصي منذ عام ٢٠٠٥ حتى يومنا هذا ، و على راسهم سعادة السفير تشن تشوان دونغ Chen Chuandon الذي غادرنا للتو ، و هو سفير الصين في لبنان الان ، و الذين كان لهم دور كبير في تعزيز العلاقات بين البلدين :

وفي هذا الإطار، يمكن قراءة تعيين السفير قوه وي امتدادًا لهذا النهج، حيث يواصل التركيز على التواصل المباشر، والانفتاح الإعلامي، وتوسيع مجالات التفاهم الثقافي والأكاديمي، إلى جانب الملفات الاقتصادية والاستثمارية. ويعكس ذلك رؤية صينية متكاملة للعلاقة مع الأردن، تجمع بين الاقتصاد، و السياسة، و والثقافة، وتراهن على الإنسان كجسر للتعاون المستدام.

تقف العلاقات الأردنية–الصينية اليوم عند مفترق فرص حقيقية، حيث تتقاطع: حاجة الأردن لشراكات نوعية داعمة للتنمية والتحديث، مع رغبة الصين في توسيع حضورها الاقتصادي والدبلوماسي في الشرق الأوسط عبر شركاء موثوقين.

ومع استمرار هذا النهج القائم على الدبلوماسية الذكية، والاحترام الثقافي، والشراكات العملية، تبدو آفاق التعاون بين البلدين مرشحة لمزيد من التقدم، بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين، ويعزز الاستقرار والتنمية في المنطقة .

و ختامًا، جاء لقاء سعادةً السفير الصيني قوه وي مع قناة رؤيا ليجسّد استشرافًا متميزًا لمستقبل العلاقات الأردنية-الصينية، وهو استشراف لم يكن وليد اللحظة، بل تجلّى بوضوح منذ أن حطّ رحاله في الأردن، من خلال نشاطاته الدبلوماسية المكثفة ولقاءاته المتواصلة مع مختلف القطاعات. لقد عكس هذا الحضور الفاعل رؤية واضحة لتعميق الشراكة وتعزيز مجالات التعاون بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين الصديقين. وإذ نُشيد بهذا الدور الإيجابي، نتطلع بثقة إلى مرحلة أكثر تميزًا في مسار العلاقات الأردنية-الصينية، قوامها العمل المشترك، والاحترام المتبادل، وآفاق أوسع للتعاون والتنمية.

* المدير العام مركز فرح الدولي للدراسات و الابحاث الاستراتيجية

muwaffaq@ajlouni.me