لا يحتاج الأمر إلى تفكير عميق للوصول إلى حقيقة مفادها أن هناك حالة انزعاج غير معلنة لدى الدولة الأردنية من جولات السفير الأمريكي في العاصمة عمّان وعدد من المحافظات. مع ذلك، تستمر هذه الجولات دون عوائق تذكر، وبحضور إعلامي ملحوظ، كما أشرنا في مقالة سابقة، مع التأكيد هنا أن الزيارة تتم برفقة ممثلين عن مؤسسات محلية وأهلية في المنطقة التي يزورها السفير. في معادلة الدولة، وضمن سياسة تقاسم الأدوار ما بين الحكومة ومجلس النواب، يُسمح هنا لوزراء الحكومة بالاجتماع مع السفير الأمريكي في إطار ما يتعلق بمجالات التعاون بين الدولتين، وهو أمر مفهوم. لكن السؤال الأهم يطرح نفسه هنا: أين يقف مجلس النواب من هذه الجولات؟ وهل يُراد له أن يؤدي دورًا مختلفًا عن السلطة التنفيذية؟ حقيقة أن المتابع للمشهد النيابي يلاحظ أن هناك تحفظًا واسعًا، وإن كان غير منسق رسميًا، من قبل نواب الموالاة والمعارضة على حد سواء تجاه جولات السفير الأمريكي داخل المملكة. يعزز هذا الانطباع السؤال النيابي الذي قُدّم إلى وزير الخارجية من أحد نواب الموالاة المنتمين إلى حزب “مبادرة”، والذي تساءل صراحة عن أسباب هذه الجولات وحدودها، في انسجام واضح مع المزاج النيابي العام، بل ومع المزاج الشعبي المتأثر بما يجري في غزة وفلسطين، والذي يضع أمريكا في صف إسرائيل. في النتيجة، يبدو أن ثمة توزيعًا غير معلن للأدوار: الحكومة تؤدي دور إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة ضمن قنواتها الرسمية، بينما يُترك لمجلس النواب تمثيل موقف أكثر تشددًا أو ممانعة، بما يعكس حساسية الرأي العام ويشكّل رسالة سياسية غير مباشرة إلى أمريكا بما يخص موقفها من القضية الفلسطينية.

نذهب نحو السؤال الأهم الذي يبقى مفتوحًا: هل سيبقى مجلس النواب في هذا الموقع؟ أم أن هذا الدور ظرفي ومرتبط بلحظة سياسية محددة، وقد يتغير بتغير الظروف الإقليمية أو الداخلية؟ إلى الآن فإن السفير الأمريكي لم يزر مجلس النواب، ولم تُسجّل لقاءات مباشرة جماعية له مع النواب أو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس. من هنا فإن السؤال الأكثر دقة: هل تسمح الظروف السياسية الحالية بحدوث ذلك أصلًا؟ أم أن بقاء المسافة هو بحد ذاته رسالة قائمة بذاتها، ستستمر ما دام المشهد الإقليمي محتدمًا، والمزاج الشعبي رافضًا، ومجلس النواب مطالبًا بلعب دور مختلف عن الحكومة؟

ختامًا، السفير الأمريكي يتمدد أفقياً من الناحيتين الجغرافية والاجتماعية. فهل يكمل التوسع عموديًا ويذهب إلى مجلس النواب؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب تقديم إجابة مسبقة على سؤالين اثنين، وهما: هل كل أعضاء مجلس النواب على ذات الموقف؟ ثم ما هي إجابة وزير الخارجية على السؤال النيابي لعضو حزب “مبادرة” الذي تساءل عن المسموح والممنوع في جولات السفير الأمريكي في العاصمة الأردنية عمّان؟