لم يعد السؤال اليوم مقتصرًا على ماذا نُشاهد؟ بل بات يتجاوز ذلك إلى لماذا نُشاهد هذا تحديدًا؟

فما يُعرض على بعض الشاشات التلفزيونية، وخصوصًا في المواسم ذات الكثافة العالية مثل شهر رمضان، يثير تساؤلات حقيقية حول معايير الاختيار، وجدوى المحتوى، واحترام عقل المشاهد الأردني.

في السنوات الأخيرة، لوحظ تزايد الاعتماد على شخصيات برزت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا بوصفها مبدعة أو صاحبة تجربة فنية، بل باعتبارها مثيرة للجدل وقادرة على جذب الانتباه. هذا التحوّل لم يكن مصحوبًا بتطوّر في النص أو الفكرة، بل جاء في كثير من الأحيان على حساب الجودة والمضمون، ليُنتج أعمالًا بعيدة عن واقع المجتمع الأردني وقيمه وموروثه الثقافي.

ومع اقتراب شهر رمضان، وهو الشهر الذي يفترض أن يحمل على الشاشات رسائل أعمق وأكثر التزامًا، تتعاظم المخاوف من تكرار المشهد ذاته: أعمال لا تشبه روح الشهر، ولا تراعي خصوصية الأسرة، ولا تضيف إلى الوعي العام سوى المزيد من الاستهلاك السريع والسطحية.

وهنا يبرز سؤال لا يمكن تجاهله:
هل يخلو الأردن من الفنانين والمبدعين، حتى يصبح الخيار الأسهل هو اللجوء إلى ما يُسمّى بمشاهير “التيك توك”؟

فهذا البلد لم يكن يومًا فقيرًا بالمواهب، بل قدّم أسماء تركت أثرًا محترمًا في الدراما والمسرح والإعلام، إلا أن كثيرًا منها بات خارج دائرة الاهتمام، لصالح نجومية عابرة لا تستند إلى تجربة ولا رؤية.

القضية لا تتعلق بذائقة شخصية، ولا برفض الجديد لمجرد كونه جديدًا، بل بمسؤولية إعلامية واضحة. فالتلفزيون، وخاصة الرسمي منه، ليس منصة ترفيه فقط، بل شريك في تشكيل الوعي الجمعي، وصورة تعكس هوية المجتمع أمام نفسه وأمام الآخرين.

ومن حق المواطن الأردني أن يطالب بمحتوى يليق بما يدفعه، فـالدينار الذي يُجبى من الشعب لصالح التلفزيون الأردني يجب أن يقابله إنتاج هادف، محترم، ومعبّر عن الناس وقضاياهم. هذا الدينار ليس عبئًا ماليًا فحسب، بل عقد ثقة يفترض أن يُترجم إلى برامج وأعمال تحمل قيمة ومعنى.

في النهاية، ليست المشكلة في الشاشة بحد ذاتها، بل في الخيارات التي تُتخذ باسمها. فالإعلام الذي يحترم جمهوره، يربح ثقته، أما الإعلام الذي يستهين بعقله، فمهما حقق من نسب مشاهدة، يخسر دوره وتأثيره على المدى البعيد.