كيف يعكس تقرير الربع الثالث 2025 نضج الأردن الرقمي؟
حسان القضاة
30-12-2025 08:35 PM
في وقت تتسارع فيه التهديدات السيبرانية عالمياً وتزداد تعقيداً، يأتي تقرير الموقف الأمني السيبراني للربع الثالث من عام 2025 الصادر عن المركز الوطني للأمن السيبراني ليؤكد أن الأردن لم يعد يتعامل مع الأمن السيبراني كردّة فعل، بل كمنظومة وطنية ناضجة قائمة على التحليل والاستباق والحوكمة.
يعكس التقرير صورة متوازنة لمشهد التهديدات، حيث سُجل انخفاض في عدد الحوادث السيبرانية المرصودة مقارنة بالربع السابق، يقابله تصاعد نوعي في هجمات برمجيات الفدية ذات الدوافع المالية. هذا التحول يؤكد أن التهديد لم يعد في كثرة الهجمات، بل في أثرها وعمقها، وهو ما يتطلب جاهزية تقنية ومؤسسية عالية، وهو ما أظهره التقرير بوضوح.
أحد أبرز ما يلفت الانتباه في التقرير هو الصراحة المهنية في تشخيص أسباب المخاطر، إذ بيّن أن النسبة الأكبر من نقاط الضعف تعود إلى أنظمة غير محدثة وإعدادات تشغيلية غير آمنة، وليس إلى تقنيات اختراق خارقة. هذه الرسالة مهمة، لأنها تضع المسؤولية حيث يجب أن تكون: في الالتزام، والحوكمة، والانضباط التشغيلي، قبل البحث عن حلول تقنية متقدمة.
كما أظهر التقرير تقدماً ملحوظاً في مستوى أمن المواقع والخدمات الحكومية، من خلال انخفاض نسب الثغرات الحرجة وتنفيذ عدد كبير من فحوصات الاختراق والتحليل الرقمي، ما يعكس تحسناً واضحاً في التعاون بين المؤسسات الوطنية والمركز، وارتفاعاً في مستوى الوعي والمسؤولية المشتركة.
ولا يمكن إغفال ما أشار إليه التقرير حول تصاعد مخاطر تسريب الحسابات الرقمية وانتحال الهوية، في ظل انتشار برمجيات سرقة المعلومات، وهو ما يؤكد أن الهوية الرقمية أصبحت خط الدفاع الأول، وأن الاستثمار في التوعية وبناء ثقافة الأمن السيبراني لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية التحتية التقنية.
إن ما يميز هذا التقرير ليس الأرقام فقط، بل المنهجية. فقد قدّم المركز الوطني للأمن السيبراني نموذجاً متقدماً في الشفافية، والربط بين التهديدات المحلية والمؤشرات الإقليمية والعالمية، مع إدراك واضح لتأثير الذكاء الاصطناعي في تطوير أساليب الهجوم السيبراني.
خلاصة القول، إن تقرير الربع الثالث 2025 يثبت أن المركز الوطني للأمن السيبراني بات يشكّل حجر الزاوية في حماية الفضاء الرقمي الأردني، وأن الأردن يسير بثبات نحو بناء قدرة سيبرانية وطنية قادرة على الصمود والتكيف والردع في عالم رقمي لا يعترف إلا بالجاهزية والاحتراف.