facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




دردشة تاريخية: الرؤية اللينينية للمسألة اليهودية


د. امين محمود
30-12-2025 09:33 PM

يشير العديد من الباحثين أن ماركس استمد وصفه لليهود بأنهم برجوازيون كبار يمثلون الرأسمالية التجارية من خلال تجربته المعاشية في كل من فرنسا وألمانيا والنمسا، حيث لم يكن فيها تجمعات يهودية كبيرة كما كان عليه الحال في أوروبا الشرقية وروسيا بشكل خاص، وكانت غالبية اليهود في أوروبا الغربية يعملون في التجارة والصيرفة وزاد ارتباطهم أكثر وأكثر بالنظام الرأسمالي مع تطور المجتمعات الغربية في أعقاب الثورة الصناعية وتداعياتها.

وقد تمكن لينين من استيعاب نتائج الوضع الاجتماعي الخاص بمسار اليهود التاريخي بوضوح أكثر مما استوعبه ماركس. وكان لينين قد واجه وضعاً اقتصادياُ واجتماعياُ وسياسياُ مختلفاً بالنسبة لليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، حيث كانت تتنازعهم اتجاهات ثلاثة:

الاتجاه الأول: هو الاتجاه الصهيوني الذي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وأخذ يتحول تدريجيا الى حركة سياسية تستمد دعمها من الجاليات اليهودية في أوروبا وتدعو الى تكتل اليهود وعدم اندماجهم في المجتمع الروسي تمهيدا لتهجيرهم الى فلسطين ليؤسسوا فيها "وطناً قومياً" لهم.

أما الاتجاه الثاني: فهو الاتجاه الثوري الذي تبنته مجموعة صغيرة من اليهود الذين لعبوا دوراً بارزاً في الحركة الثورية الروسية منذ ثمانينات القرن التاسع عشر والذين كانوا يرون أن حل المسألة اليهودية يكمن في انصهار اليهود مع الجماهير الروسية والمشاركة في تحرير الشعب الروسي بمختلف مكوناته من الطغيان القيصري والاستبداد الاقطاعي والاستغلال الاجتماعي، وأصبح أصحاب هذا الاتجاه من المنتسبين للحركة البلشفية، حيث لعب بعضهم دوراً قيادياً في هذه الحركة أمثال تروتسكي وغيره.

وهناك الاتجاه الثالث: الذي كان دوره دوراً وسطاً بين الاتجاهين السابقين وكانت تمثله حركة "البوند". وقد تبنت هذه الحركة في بداياتها معظم برامج الماركسية، ولكنها تحولت فيما بعد لتشكل تنظيماً يهودياً مستقلاً يحافظ فيه العمال اليهود على استقلالية حركتهم العمالية بعيداً عن العمالة الروسية وتنظيماتها النقابية والحزبية على اعتبار أن للعمال اليهود وضعاً خاصاً بهم. وكانت قيادة البوند تركز على فقراء اليهود ممن كانوا يعيشون في عزلة وفي مناطق استيطان خاصة بهم، وقد ساهمت ظروف التحديث في روسيا (تحرير الأقنان عام 1861) الى تحول قطاع كبير من هؤلاء اليهود الى "بروليتاريا"، غير أن هذه الحركة لم ينتج عنها أي شيء يذكر، وذلك لوجود توجهين متناقضين في داخلها: التوجه القومي والتوجه الاشتراكي. ولم ينجح أي من هذين التوجهين بالسيطرة على الاّخر. وكانت البوند في بدايتها حركة ماركسية اشتراكية، ثم دخلت عليها العناصر القومية خلال تطورها فأحدثت صراعا في داخلها أدى الى شلها عن العمل.

وقد دخل لينين في جدل عنيف مع البونديين حيث اعتبر طرحهم بوجود قومية يهودية هو السبب الذي أدى بهم الى عزلة ذاتية انطوائية النظرة يعيشون في معزل على هامش المجتمع الروسي. غير أن المفكراليهودي بوروخوف اعترف لحركة البوند بفضل كبير في نشاطها من أجل البروليتاريا اليهودية، اذ ساهمت هذه الحركة – على حد تعبيره – في "تنمية وعي اليهود لأنفسهم كطبقة، وتعليمهم تنظيم النضال من أجل مصلحتهم، إضافة الى تنمية روحية النظام فيهم وزرع المفاهيم الديموقراطية لديهم. (نقلا عن شوفاني، إسرائيل في خمسين عاما، ج1، ص 33).

وكان لينين من ناحية أخرى أكثر حساسية للأوضاع العاطفية تجاه المسألة اليهودية من باقي الزعماء الاشتراكيين الروس أمثال بليخانوف ومارتوف وتروتسكي، فقد استوعب من جهته الفكرة التي طرحها بروخوف حول ظروف وأحوال الشتات اليهودي والتي أدت الى قيام هجرة عفوية مبكرة للعمال اليهود الى فلسطين، كان من المأمول أن تتمكن "القوى المنتجة" منها من تأسيس اقتصاد يهودي يمهد السبييل لا محالة الى صراع طبقي يؤدي في نهاية المطاف الى خلق كيان اشتراكي يهودي .

الا أن هناك تساؤلاً يبرز حول السر في عدم اعتراض لينين في هذه المرحلة المبكرة على مبدأ هجرات اليهود الى فلسطين اذ نراه ينادي في المقابل بأنه اذا كان لا بد من حدوث مثل هذه الهجرات فالأفضل أن يشارك فيها اليهود ذوو الميول الاشتراكية والمنحدرون من أصول أوروبية شرقية أو روسية للتصدي للصراع ضد ما كان يطلق عليه "الاستبداد الشرقي" وهذا التساؤل يجب أن لا يوضع ضمن سياق دعم لينين لانشاء كيان يهودي مستقل في فلسطين بل ضمن سياق الثورة، أي إمكانية أن يؤدي تزايد الهجراات اليهودية الى فلسطين الى قيام ثورة نتيجة هذا التزايد وهذه النوعية من المهاجرين، رافضاً فكرة البوند القائلة أن الثورة يجب أن تقوم على صراع من أجل المسألة القومية. ولكن لينين أشار الى أن فكرة المساواة القومية يجب أن ترفد الصراع الطبقي الذي هو أساس، الثورة، ولذلك فانه رفض الصهيونية من ناحية سياسية لأنها تمثل الانفصالية القومية. وكحركة قومية تهدف الى تحقيق الاستقلال "للشعب اليهودي" فانها كانت تعيق التقدم نحو الثورة. ولم يعترض لينين على الصهيونية بسبب أصلها البرجوازي بل لأننها أصرت على هدفها في إيجاد حل للمشكلة اليهودية فقط بدلا من أن تتحول الى حركة تتجاوز الأطر القومية فتصبح حركة أممية أو عالمية.

وقد أدى اندلاع الحرب العالمية الأولى الى تولد قناعة لدى لينين وغيره من القيادات البلشفية في روسيا أن بمقدور اليهود في فلسطين خلق الظروف المؤدية الى نمو وتطور الرأسمالية ضمن الزراعة المحلية لأن من غير المعقول الإصرار على أن الجنس اليهودي غير قادر بطبيعته على ممارسة الزراعة. وعلى العكس من ذلك فان المهاجرين اليهود الى فلسطين تمكنوا من إقامة منشاّت زراعية على نطاق واسع مما أدى في النهاية الى زيادة عدد المستخدمين الريفيين (الفلاحين) من بين يهود الأقطار العربية إضافة الى السكان العرب المحليين، ولذا فان مؤشرات المواجهات الاجتماعية في الزراعة بدأت تشتد وتتزايد.

أما في الصناعة المحلية فان وضعاً مشابها كان موضع جدل لأن الصناعة لم تكن قد أحرزت بعد أي تقدم في فلسطين وذلك لصعوبة الوضع الجغرافي والاقتصادي فيها وافتقارها الى الموارد واعتمادها على المستثمرين الأجانب، وقد رأى البلاشفة الروس في الريف قاعدة اجتماعية اقتصادية لمستقبل الثورة في فلسطين لأن لديها فرصاً أكثر لتطوير صراع طبقي نابع من الاستغلال المستتر لليهود والعرب من قبل البرجوازية اليهودية والاقطاعيين العرب. كما وجهت الدعوة لقيام تحالفات للقوى الاجتماعية في فلسطين بين البروليتاريا والديموقراطيين التقدميين. بيد أن معنى البروليتاريا والقوى الديموقراطية في فلسطين لم يكن مرادفا لمعناها في الأقطار الصناعية في الغرب، فمن ناحية كان أولئك البروليتاريون اليهود ينحدر أغلبهم من أصول روسية وأوروبية شرقية، وقد أبدوا قدرة كبيرة على مقاومة البرجوازية اليهودية الريفية في فلسطين وذلك برفضهم أن يستخدموا ويشتغلوا كقوة عمل زراعية أو أن يعملوا في صناعات ومجالات حرفية صغيرة.

ومن ناحية أخرى كانت القوى الديموقراطية مؤلفة من عمال زراعيين من أصول يهودية متواضعة إضافة الى صغار البرجوازيين. وهكذا اعتقد البلاشفة أن هناك فرصا مواتية لتحالف العمال والفلاحين في ثورة مستقبلية في بلد كفلسطين يعيش أهلها ظروفا اقتصادية واجتماعية بائسة. كما اعتبروا العمال الزراعيين فيها عناصر ملائمة للثورة لا سيما أنهم كانوا العمال المأجورين ذوي الدخل المتدني والمعرضين للاستغلال والاضطهاد. وقد كتب لينين يقول: "إن الثوريين في فلسطين يجب أن لا يفصلوا أنفسهم عن العمال والفلاحين في الأقطار العربية المجاورة لها، بل بالعكس يجب أت يكونوا حلفاء لهم، اذ أن أي اضطرابات في فلسطين لا يمكن أن تتم بمعزل عن هذه الأقطار. (Lenin,Selected Works, Vol 2, p 101) وهكذا تحدث لينين عن أهمية الثورة في فلسطين، ليس ضمن سياق تفجير ثورة مستقبلية في الغرب بل البدء في تفجيرها في الشرق، وقد تولد لدى البلاشفة قناعة بقدرة المهاجرين اليهود الروس على قيادة الحركات الثورية ليس في فلسطين وحدها، وانما أيضا فيما جاورها من أقطار عربية أو غيرها.

وكان اهتمام قادة البلاشفة يتركز كلية على تلك النخبة الثورية من أولئك المهاجرين اليهود الذين كان بمقدورهم بالتحريض والاثارة في أوساط الفلاحين والعمال وذلك لاشعال ثورة اشتراكية تقوم على الصراع الطبقي من جانب هؤلاء العمال والفلاحين ضد كبار البرجوازيين اليهود والاقطاعيين يهودا كانوا أم عربا. وهكذا توصل لينين الى نتيجة مفادها إمكانية تدويل الصراع الطبقي وتطبيقه في فلسطين حيث اعتقد أن العرب واليهود سيحاريون جنبا الى جنب طبقة واحدة ضد مضطهديهم، (المصدر السابق).

ومن اللافت للنظر أنه بالرغم من أن لينين والعديد من الزعماء البلاشفة نددوا بالمظاهر السياسية للصهيونية واتهموها بأنها حركة انفصالية رجعية، الا أنهم استخدموا نتائج تداعياتها في فلسطين من أجل تعزيز مفهومهم للثورة. فبالنسية للينين كان من المهم استغلال البؤس الاقتصادي الذي تمخضت عنه الهجرات اليهودية كعنصر ضروري للثورة، لذلك فان فكرة الثورة التي برزت تدريجيا بهدف احداث تطورات اقتصادية واجتماعية أصبحت تستهدف فيما بعد تحقيق إنجازات ونتائج سياسية. أما فكرة استخدام فقراء اليهود كعناصر ثورية، فانها ارتكزت بصورة رئيسة على أسباب غوغائية غير واضحة، وذلك بجعل هذه الشريحة من المهاجرين اليهود يعتقدون أنهم سيحصلون على حياة أفضل بانضمامهم للثورة المقبلة، بينما هم في واقع الأمر سيلقى بهم في خضم النشاطات والهزات الثورية المقلقة. وقد دعا لينين الى استغلال المظاهر الاحتماعية والاقتصادية للصهيونية من قبل البروليتاريا اليهودية وذلك من خلال دعم صراعها الطيقي بعد إقامة دولة يهودية في فلسطين. وهكذا وبمعنى اّخر نجد البلاشفة يتبنون استراتيجية مزدوجة بالنسبة لليهود: التنديد بالصهيونية من ناحية واستعمالها في الوقت ذاته كوسيلة لاحداث ثورة اشتراكية في المنطقة تتيح للبلشفة التدخل المباشر في شؤونها وإيجاد موطىء قدم لهم فيها .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :