ماذا لو؟!.. ليس سؤالاً عابراً كما يبدو.. بل مطرقة صغيرة قوية الفاعلية.. نطرق بها جدران أوهامنا.. فنكتشف إن كانت من صخرةٍ صلبة.. أم من كرتونٍ مبلل بالأعذار..
هو سؤال بسيط في لفظه.. لكنه حين يُطرح بصدق يتحول إلى محكمة داخلية لا تقبل المراوغة.. ولا تمنح البراءة لمن اعتاد تعليق أخطائه على شماعة الآخرين..
ماذا لو وقفنا فعلاً أمام مرآتنا.. بلا مساحيق تبرير.. ولا عناوين براقة.. وسألنا أنفسنا هذا السؤال دون خوف؟!.. هل نملك الشجاعة أن نسمع الجواب من أعماقنا النقية.. ثم نمتثل له؟!.. أم أننا نحب السؤال فقط عندما يفضح ويدين غيرنا.. ويعفينا نحن من المحاسبة؟!..
ماذا لو التزمت بقواعد السير.. لا لأن الشرطي يراقب.. ولا لأن الكاميرا تلتقط.. بل لأن القانون وُضع لحمايتي وحماية غيري.. هل كان سيجرؤ رقيب السير.. أو تجرؤ الكاميرا على تحرير مخالفة بحقي؟!.. أم أن المشكلة لم تكن يوماً في الرقيب.. بل في سائق يرى القانون عائقاً لا نظاماً؟!..
ماذا لو التزمت بأخلاق الحوار.. واحترام الرأي الآخر.. لا انتقاءً ولا مصلحة.. هل كان سيجد السفهاء ما يطعنون به؟!.. أم أن كثيراً من الاتهامات التي نتلقاها.. ليست سوى صدى أسلوبنا.. ونتاج لغتنا.. ومرآة طريقتنا؟!..
ماذا لو رضيت للناس ما أرضاه لنفسي.. لا في الخفاء فقط.. بل في العلن أيضاً.. هل كان أحد سيملك الجرأة على انتقاد تصرفاتي؟!.. أم أن أغلب الانتقادات.. ما هي إلا رد فعل على ازدواجية نمارسها ثم ننكرها؟!..
ماذا لو أُغلقت المؤسسة التي أعمل بها.. أو حتى تم إنهاء خدماتي من المكان الذي ظننته المعقل الأخير للرزق.. هل كان رزقي سينقطع؟!.. وهل كنت سأمد يدي للناس؟!.. أم أن الرزق أوسع من بابٍ واحد.. وأكرم من أن يُحبس عند توقيع مدير.. أو ختم مؤسسة؟!..
ماذا لو اعتدنا وضع بدائل لكل قرار.. وخططٍ لكل احتمال.. هل كنا سنفاجأ بالعقبات؟!.. أم أن الصدمة الحقيقية ليست في وقوع المشكلة.. بل في عقول اختارت الطريق الواحد.. ثم بكت عندما أُغلق؟!..
ولنقرب الصورة أكثر.. ماذا لو أغلق محل اللحمة الذي اعتدنا الشراء منه.. وظنناه الأفضل والأوحد.. هل كنا سنتوقف عن الأكل؟!.. أم كنا سنكتشف فجأة أن المدينة مليئة بمحلات أخرى لم نكلف أنفسنا عناء البحث؟!..
وماذا لو هاجر الطبيب الذي نصحنا به اصدقاء.. أو حتى توفي.. هل كانت أبواب الشفاء ستُغلق؟!.. أم أن الله لم يربط عافية الناس باسمٍ واحد ولا بيدٍ واحدة؟!..
من هنا تبدأ الحكاية الحقيقية لماذا لو؟!.. فحين نجيب بصدق.. سنكتشف أننا لسنا مرتهنين للصدفة.. ولا أسرى خيارٍ واحد.. وأن البدائل موجودة دائماً.. لكنها لا تظهر لمن قرر مسبقاً أن يكون ضحية وأسير.. وأن يبرر تقصيره ومخالفاته بالقوانين.. ويُسكت ضميره بندرة الخيارات.. وينوّم مبادئه وأخلاقه ودينه بحجة الظروف وعدم وجود البدائل..
يشهد الله.. إن كلماتي هذه ليست دعوة للتنظير.. ولا خطبة مثالية.. بل صفعة ناعمة.. لكل مَن يلوم الآخرين على اختياراته وتصرفاته.. ولكل مَن يخالف القانون ثم يصرخ بالظلم.. ولكل مَن يساوم على القيم.. ثم يتهم الزمن.. ماذا لو اعترفنا أن المشكلة ليست في الطريق.. بل في الطريقة؟!..
فماذا لو تجرأنا مرة واحدة.. فقط مرة واحدة.. أن نكون صادقين مع أنفسنا؟!.. عندها فقط.. سنجد البدائل الكثيرة المتاحة.. التي تجعل حياتنا تسير بسلاسة.. وحسب ما يرضي أنفسنا النقية الطاهرة.. وما يرضي رب العالمين.. وتتوافق مع أوضاعنا.. وتنسجم مع أخلاقنا وقيمنا.. وحينها سيتوقف التبرير.. ويبدأ الإصلاح.. ويصبح سؤال ماذا لو؟!.. بداية نجاة.. لا ذريعة هروب مما نفعله..