facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




علياء الحسين .. ككل حلم


سامح المحاريق
10-02-2009 11:56 AM

من تاريخ الملكات القديمات بلقيس وزنوبيا وأروى الصليحي بهتت صورة المرأة العربية، وحتى مع بدايات عصر التحرر فإن الصورة لم تكن تتسع إلا لفكرة البطل على النمط الغنائي الذي ينتمي إلى تراث السير الشعبية، وليس إلى لحم الحقيقة التي ارتقت بالمرأة العربية لتكون في طليعة الحراك الاجتماعي مثل هند بنت النعمان التي ألهمت القبائل العربية أول انتصار كبير وصريح لها في التاريخ في معركة ذي قار ضد الإمبراطورية الفارسية، انزوت هذه المرأة في العصور العثمانية والمملوكية وتراجعت إلى الغرف الموصدة التي تشعل الخيال وغريزة التلصص عند المغامرين والمستشرقين، ولذلك لم يعرف القرن العشرين في العالم العربي فكرة المرأة الأولى، إلى أن ظهرت علياء طوقان بجانب الملك الحسين بن طلال ملكة على الأردن لتكون من يومها علياء الحسين أول السيدات العربيات والنموذج لهذه الفكرة الذي بقي في الذاكرة العربية مثل حلم وكعادة الأحلام رحل سريعا.

كانت الراحلة قبل ارتباطها بالمغفور له الحسين فتاة عصرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي تنتمي لعائلة طوقان الأرستقراطية التي جمعت بين السلطة من خلال إمارتها للركب الشامي والعلم من خلال إبراهيم بك بن صالح باشا طوقان الذي كان بالإضافة إلى الوجاهة الاجتماعية رئيسا لعلماء نابلس في القرن الثامن عشر، وفي مطلع القرن العشرين كانت هذه العائلة تتموضع في البنية الاجتماعية النابلسية من خلال مجموعة من الرجالات المتعلمين الذين انتموا للتيارات الوطنية والقومية العربية وفي طليعتهم الشاعر إبراهيم طوقان، وعلى هذه الأرضية كان التقارب بين الحكم الهاشمي في الأردن وهذه العائلة التي بدأت رحلتها مع طلائع الثورة العربية الكبرى كمشروع عربي وقع في مأزق الصراعات العالمية ودفع ضريبة التحولات الكبيرة في تلك المرحلة، ومن هذه الأسرة وفي بيت أحد رجالها الذين خدموا الفكرة الهاشمية ووظفوا كفاءتهم الشخصية وعمقهم الثقافي في أجهزة دولتها في الأردن ولدت علياء طوقان في القاهرة في الخامس والعشرين من كانون أول 1948، وكان هذا أول أعياد الميلاد المجيدة بعد النكبة وأول الأيام في الحياة القصيرة.

ينظرون إلى طفل ما فيقولون إنه ابن موت، بمعنى آخر أنه كثير على الحياة أو لعله يسابق أيامه بنضجه السريع، ولذلك رحل الكثيرون ممن تركوا بصمتهم على الحياة الإنسانية سريعا، وكأنهم ألقوا التحية على الركب ومضوا في سلام، وإليهم تنتمي الراحلة علياء الحسين، فهي المرأة العربية التي أعادت صياغة صورة المرأة وخرجت بها من خباء القبيلة ومن ذهنية الحريم، فهي التي أعطت للمسؤولية قيمة أخرى ولذلك استقبلت بحفاوة من الصحافة العربية والعالمية، واستغرب وأنا أقرأ أحيانا بضعة مقالات عن الراحلة في روز اليوسف أو المصور المصرية وأتساءل عن ذلك السبب الذي يدفع هذه المجلات لاستذكارها من وقت لآخر وبعد أكثر من ربع قرن على رحيلها الصادم، فأعرف أنها لم تكن ملكة الأردن فقط ولكنها كانت الملكة العربية الأولى بالصورة التي أرادها الناس وأحبوها، ففي مصر مثلا لم تكن السيدة تحية كاظم قرينة الزعيم جمال عبد الناصر تقوم بأي دور اجتماعي واقتصرت مهام (أم خالد) على أسرتها الصغيرة وكانت سيدة مصر الأولى في تلك المرحلة كوكب الشرق أم كلثوم وهي التي حملت ذلك الدور من خلال رعايتها للجمعيات الخيرية ودعم المجهود الحربي بعد النكسة، ولكن هذه السيدة كانت في برجها العاجي دائما بعيدة تسمع كثيرا وترى القليل.

مع الإطلالة الأولى لعلياء الحسين ملكة على الأردن في سنة 1972 استشعر الناس وليس في هذه المملكة وحدها أنها قريبة في طيبتها واستثنائية في بساطتها، بعيدة عن التكلف وبريئة من الزيف، ملائكية وكأنها تطمئن على العالم من شرفة سماوية، وكانت أسرتها تقترب من المليون إنسان في الأردن مضت مدفوعة برؤيتها للواجب للسعي في مناكب هذه الأرض الأردنية لتمنح وتحنو، ومع النظرة الأخيرة على سلم الطائرة كانت قطعة من كبد الوطن تتفتت بالحزن والثكل.

رحلت علياء الحسين وبقيت صورتها في القلب والذاكرة تلهم وتنبض بالحياة والطمأنينة، وككل حلم مضت مسرعة للسماء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :