روسيا – دولة اسلامية عام 2050 !!!
13-09-2007 03:00 AM
عمون - موسكو - مروان سوداح
شهدت روسيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي مواجهات ساخنة مع حلف القوى الاسلاموية المسلحة والانفصالية، وقد سعت ألى النصر في المواجهات الحامية مع هذه القوى التي دعمتها مراكز خارجية بغية إشغال روسيا بصراعاتها الداخلية، وكان لها ذلك النصر. لكن وقبل نصرها النهائي الذي حققه بوتين، "صاحب القبضة الحديدية"، ضغطت موسكو بقوة من اجل قبولها عضوا في منظمة المؤتمر الاسلامي، وقد لوحظ قبل تلك الخطوة أن الكرملن عزز علاقاته مع ماليزيا، على وجه التحديد، في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والانسانية، و الفضائية ايضا، وسعى بالاضافة الى ذلك، الى توسيع روابطه السياسية والاقتصادية مع عدد من دول العالم الاسلامي الغنية والمحورية، ومع دول اسلامية اخرى تطغى على سياساتها التوجهات الايجابية نحو الولايات المتحدة الامريكية، وبدا أن الكرملن يبحث مع هذه الدول عن قواسم مشتركة وتفاهمات مختلفة.
والى جانب ذلك تزايدت في روسيا بشكل مضطرد، ولا تزال تتزايد حتى اللحظة، الفعاليات الاسلامية التي تتوزع بكثافة ما بين المهرجانات الفنية والسينمائية الاسلامية، ومسابقات تجويد القرآن، وإصدار الكتب عن الاسلام والمسلمين الروسيين خاصة، ويزداد عدد الحجيج للسعودية، وعدد المساجد المفتتحة في قلب روسيا، وتتواصل زيارات الرئيس بوتين للبلدان العربية والاسلامية وتصريحاته التي تتسم بمغزى سياسي كبير واخرها، قبل ايام، الزيارة التاريخية التي قام بها إلى الامارات العربية المتحدة واستقبل خلالها بكرم بالغ يعكس الرغبة الاماراتية بتعزيز العلاقات مع روسيا بشكل متميز.
وانطلاقا من هذا كله برز، ولا يزال يبرز، سؤال كبير عن مغزى هذا التوجه ومستقبل العلاقات الروسية الاسلامية، واهداف انضمام روسيا لمنظمة المؤتمر الاسلامي.
لفهم هذا التوجه واكتشاف مراميه نستذكر أن الزعامات السوفييتية كانت تردد على الدوام ان عدد مسلمي الاتحاد الذي قادته كان بلغ 20 مليونا طوال زمن الركود (اما سواد الشعب السوفييتي فقد كان برأيهم وبرأي شيوعيي البلدان العربية ملحدا !!!)، ولم يتغير هذا الرقم على مساحة عمر حكومات وزعامات الاتحاد السوفييتي المنهار والمندثر، وكأن المسلمين اتفقوا انذاك على فتوى بعدم الانجاب!
كان هدف السياسة السوفييتية من ذاك الاستغباء المتعمد، الفاشل إتجاه العالم الاسلامي، محاولة الحفاظ على مسلمي السوفييت في قبضة حديدية كدمية دعائية عالمية، من دون الاهتمام باوضاعهم في مختلف المجالات. وكانت موسكو تهدف من وراء ذلك إلى نيل "التعاطف الثوري" من لدن جماهير العرب المسلمة والمضطهدة على يد حكوماتها، وتقديم نموذج سوفييتي "متقدم" لهذه الجماهير، والادعاء بحرية الاديان والاعتقاد في الدولة الشيوعية، بهدف تسريب الافكار الماركسية اللينينية الرجعية جوهرا والتقدمية شكلا وزيّا الى بلداننا عن طريق هذه الشرائح المقهورة من السكان!
وفي روسيا اليوم التي انفصلت عنها الجمهوريات الاتحادية السوفييتية ذات الصبغة الاسلامية على إثر نجاح البيريسترويكا وسقوط الاتحاد السوفييتي، بلغ عدد المواطنين المسلمين "نحو 13 مليون شخص أو حوالي 9% من مجموع السكان" (إحصاء عام 2002)، وتذهب تقديرات اخرى لزيادة عدد سكان روسيا المسلمين الى مليونين أو ثلاثة ملايين شخص ليصل في اقصى حدوده إلى 16 مليونا.
وكان عدد سكان روسيا قد وصل عام 2005 إلى 143 مليون شخص ، وتقول احصاءات السكان ان البلاد تعاني من تراجع في عدد المواليد، ويعود السبب في ذلك الى صعوبة الحياة في المدن والارياف على حد سواء ، وصعوبة تربية الاطفال وتكاليف الحياة الباهظة مقارنة بالدخل المتدني لغالبية السكان. ويرى العلماء في روسيا ان عدد سكان البلاد سيصل الى 101 مليون شخص "فقط" بحلول عام 2050 ، في حين سيرتفع عدد السكان في آسيا الوسطى السوفييتية السابقة إلى 76 مليون شخص ، بينما سيرتفع عدد السكان في جنوب وسط آسيا، الذي يشمل آسيا الوسطى السوفيتية ايضا وإيران وأفغانستان وباكستان، أي الدول المسلمة، إلى 600 مليون شخص.
ويتوقع الدكتور بيلوكرينيتسكي وهو باحث في روسيا في مقالته المنشورة في مجلة "آسيا وأفريقيا اليوم"، أن يشكّل أبناء المهاجر واولادهم أكثر من نصف السكان في روسيا ابتدء من منتصف القرن الـ21 ، إذا استمر الحال على هذا المنوال، ونتيجة لذلك سيشكل المسلمون، على الأرجح، نصف السكان في روسيا في عام 2050.
من هنا يمكن ان نفهم الهدف الرئيس لتقارب روسيا مع العالم الاسلامي، وسر إصرارها على عضوية منظمة المؤتمر الاسلامي، في سياق تزايد اهمية البلدان الاسلامية لروسيا التي يُفهم من تحركتها على مساحة البلدان العربية والاسلامية "ان لها مصلحة في إيجاد لغة تفاهم مشتركة مع العالم الإسلامي" كما يقول الباحث. وكدولة تعد الدراسات الاستراتيجية للمستقبل، اعتقد ان روسيا تمتلك، على الاغلب، دراسات هامة لما سيكون عليه واقعها الديمغرافي، والاثني، والديني والطائفي عام 2050 وهي تسعى للتفاهم منذ الان مع العالمين العربي والاسلامي. لذا، ها هي قد أسست فضائية كبيرة تبث باللغة العربية للاعلان من المصدر الاول عن سياساتها تجاه العرب والمسلمين لاستمالتهم، وللتعريف بالقواسم المشتركة معهم وفي مقدمتها الدينية والثقافية والاقتصادية، لضمان انسجام طويل الامد مع دولهم وأُممهم.