facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سفرات النواب بين الدبلوماسية البرلمانية والتنفيعة السياسية


السفير الدكتور موفق العجلوني
14-12-2025 12:10 AM

في ظل الظروف الاقتصادية الدقيقة التي يمر بها الأردن، عاد ملف سفرات النواب إلى الخارج ليتصدر المشهد العام، مثيرًا جدلًا واسعًا بين من يراها ضرورة دبلوماسية، ومن يعتبرها عبئًا ماليًا وممارسة تفتقر إلى العدالة والشفافية. هذا الجدل لا يمكن اختزاله في الشعبوية أو الاتهامات المسبقة، بل يستدعي قراءة دبلوماسية موضوعية تضع الأمور في سياقها الصحيح.

من حيث المبدأ، تُعد الدبلوماسية البرلمانية جزءًا مكمّلًا للدبلوماسية الرسمية التي تقودها الدولة عبر وزارة الخارجية و شوءون الخارجية والمؤسسات السيادية. دور النائب الخارجي ليس تفاوضيًا ولا تمثيليًا بالمعنى السيادي، بل يقتصر على دعم الموقف الأردني، وبناء علاقات برلمانية، ونقل الرواية الوطنية في المحافل الدولية.

غير أن هذا الدور يفقد جوهره عندما يتحول السفر إلى غاية بحد ذاته، أو إلى مكافأة غير معلنة، أو إلى مشاركة شكلية لا يترتب عليها أي أثر سياسي أو تشريعي ملموس.

الإشكال الحقيقي لا يكمن في مبدأ السفر، بل في كثرة السفرات وتكرارها، وغياب تعريف واضح لما هو ضروري وما هو غير ذلك. فبين مؤتمرات بروتوكولية بلا أجندة حقيقية، ووفود تتجاوز الحاجة الفعلية، وسفرات تنتهي بتوقيعات عامة لا تحمل التزامًا سياسيًا، يتساءل الرأي العام بوضوح: ما الذي تحقق فعليًا للأردن؟

غياب التقارير العلنية بعد هذه المشاركات يزيد من حالة الشك، ويحول أي إنجاز محتمل إلى إنجاز غير مرئي وغير قابل للتقييم.

من أبرز أسباب السخط الشعبي كما جاء في لقاء قناة المملكة مع عدد من النواب ، تكرار أسماء بعينها في معظم الوفود الخارجية، مقابل تغييب كتل نيابية كاملة. هذا الواقع يطرح تساؤلات مشروعة حول:

غياب معايير واضحة للاختيار
ضعف التمثيل العادل للكتل
تغليب العلاقات الشخصية والمجاملات
إقصاء الكفاءة والخبرة في الملفات الدولية

إن غياب العدالة في تشكيل الوفود لا يسيء فقط إلى صورة المجلس داخليًا، بل يضعف مصداقيته خارجيًا.

لا يمكن فصل النقاش عن الكلفة المالية لسفرات النواب، من تذاكر السفر ونوعية الإقامة إلى المخصصات اليومية. في بلد يواجه تحديات معيشية حادة، يصبح من حق المواطن أن يعرف:

كم أُنفِق؟
ولماذا؟
وما المقابل؟

المشكلة ليست في الإنفاق بحد ذاته، بل في غياب السقوف الواضحة والشفافية الكاملة.

تُسجَّل كذلك ملاحظات على أداء بعض النواب في المحافل الخارجية…!!! ، سواء من حيث الالتزام بالبروتوكول، أو إدارة الخطاب السياسي، أو التعامل الإعلامي. الأخطاء الدبلوماسية، مهما بدت بسيطة، قد تُحسب على الدولة لا على الشخص، وهو ما يستدعي إعادة النظر في جاهزية بعض المشاركين لتمثيل الأردن خارجيًا.( و هناك تجارب شخصية لي و لعدد من الزملاء السفراء و الدبلوماسيين مع هذا الاخطاء ، لا يسمح واقع الحال بالتطرق اليها ).

الرأي العام الأردني اليوم لا يعارض الدبلوماسية البرلمانية من حيث المبدأ، لكنه يرفض أن تتحول إلى "تنفيعة سياسية " ومع غياب النتائج المعلنة، وتكرار الأسماء، وارتفاع النفقات، تتآكل الثقة بين المواطن ومجلس النواب، وهو أخطر ما في الأمر.

الحل لا يكمن في وقف السفرات، بل في إعادة تنظيمها عبر:

وضع إطار تشريعي واضح يحدد شروط وأهداف السفر.
اعتماد معايير شفافة لاختيار أعضاء الوفود، تضمن العدالة والكفاءة.
إلزام كل وفد بتقديم تقرير علني يوضح النتائج.
تحديد سقوف مالية صارمة ومعلنة.
تقليص عدد المشاركين ومنع التكرار غير المبرر.
إخضاع النواب لتدريب إلزامي في البروتوكول والدبلوماسية.

سفرات النواب يمكن أن تكون رافعة حقيقية للدبلوماسية الأردنية إذا أُحسن إدارتها، لكنها تتحول إلى عبء سياسي وأخلاقي عندما تُفرغ من مضمونها. الدبلوماسية البرلمانية الناجحة ليست بعدد الرحلات، بل بقيمة النتائج، وهي مسؤولية وطنية لا تحتمل المجاملة أو العبث بالمال العام.

لقد أثبتت التجربة من واقع الحال الدبلوماسي أن عددًا غير قليل من سفرات اصحاب السعادة النواب إلى الخارج لم يحقق أي إنجاز دبلوماسي يُذكر، ولم ينعكس بمكاسب سياسية أو اقتصادية أو تشريعية ملموسة للاردن . و بقيت معظم هذه المشاركات في إطار المجاملات البروتوكولية والتوقعات الشكلية، دون أثر واضح يمكن قياسه أو البناء عليه، الأمر الذي أضعف مفهوم الدبلوماسية البرلمانية وحوّله في نظر الرأي العام إلى عبء لا إلى أداة دعم للمصلحة الوطنية.

إن استمرار هذا النهج، دون مراجعة جادة، لا يسيء فقط إلى صورة مجلس النواب، بل يضعف كذلك الانسجام المؤسسي في إدارة السياسة الخارجية، وهي مجال سيادي يفترض أن يعمل ضمن منظومة واحدة لا اجتهادات فردية متفرقة. ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة هيكلة مشاركة النواب خارجيًا، بحيث لا يتم تشكيل أي وفد برلماني إلا ضمن إطار وطني منظم ومعلن الأهداف.

ولتحقيق ذلك، يصبح من الضروري أن يضم أي وفد برلماني مشارك في الخارج ممثلًا دبلوماسيًا رسميًا / سفير سواء من وزارة الخارجية و شوءون المغتربين ، أو سفير المملكة الأردنية الهاشمية المعتمد لدى الدولة المعنية، لضمان وحدة الخطاب السياسي، ودقة الرسائل، واحترام الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية. كما أن التنسيق المسبق والملزم مع وزارة الخارجية والسفارات الأردنية في الخارج يجب أن يكون شرطًا أساسيًا لا استثناءً، وليس إجراءً شكليًا أو لاحقًا.

إن الدبلوماسية ليست ساحة للتجربة أو الاجتهاد الفردي، بل عمل احترافي تراكمي، تُقاس نتائجه بمدى خدمته للمصلحة الوطنية العليا. وأي سفر نيابي لا يحقق هذه الغاية، ولا يخضع للتنسيق والمساءلة والتقييم، يبقى سفرًا بلا قيمة سياسية، مهما تعددت العناوين أو كثرت الصور.

* مركز فرح الدولي للدراسات و الابحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :