إسرائيل تستعدُ لهجوم واسع النطاق في لبنان حال فشلت الحكومة اللبنانيّة والجيش في سحب سلاح حزب الله.
كما أنّ تل أبيب أبلغت واشنطن بأنّ صبرها يوشكُ على النفاذ، كل ذلك يأتي في سياق خطّةٌ إسرائيليّة جاهزة على الطاولة حوّل لبنان، وإسرائيل تربط تنفيذها بتحقيقِ تقدمٍ فعليٍ وملموس نحو سحب سلاحِ حزب الله قبل نهاية العام الحالي، وتل أبيب هي ترى أنّ الحكومة اللبنانيّة لن تتمكن عمليًا في ظرف أيامٍ قليلة متبقيّة من مهلة شهر كانون الأول الحالي؛ من نزعِ سلاحِ الحزب، وبيروت أجابت بوضوح هذهِ مسألة معقدة ومزمنة، لا يجب أن ترتبط في سقفٍ زمني.
هيئة البث الإسرائيليّة كانت كشفت بأنّ الجيش يستعد لتنفيذ هجومٍ واسع النطاق ضد أهداف تابعة لحزب الله في لبنان، في حال فشلت الجهود الحكومة اللبنانيّة والجيش في نزع سلاح الحزب، قبل نهاية العام. وقالت الهيئة بأنّ الجيش الإسرائيلي أعد خلال الأسابيع الماضية خطّة متكاملة لضربِ تلك الأهداف، وأنّه تم ابلاغ واشنطن بأنّ إسرائيل سوف تتولى مهمّة نزعِ سلاحِ الحزب بنفسها؛ إذا لم يتحقق تقدّمٌ فعلي بهذا الخصوص.
وفيما يبدو بأنّها ضرباتٌ تمهيديّة شنَ الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات على مواقع في جنوب لبنان، وطالت مرتفعاتٍ متعددة.
وفي مقالٍ له في صحيفة فاينانشيال تايمز قال رئيس الحكومة اللبنانيّة نواف سلام بأنّ قصّة لبنان لا يجب أن تنتهي بالانهيار، ودعا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل؛ من أجل أن تكفَ عن أعمالها العدائيّة على لبنان، وأن تتراجع عن احتلال النقاط الخمس في الجنوب. كما اعتبر أنّ لبنان المستقر من ركائز الاستقرار في المنطقة.
الشهران الأخيران شهدا حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا تمثل في زياراتٍ مكوكية لمنع اندلاع حربٍ شاملة بين لبنان وإسرائيل، ولأول مرّة منذ عقود، عقد ممثلون مدنيون من لبنان وإسرائيل محادثاتٍ مباشرة في مقر قوات اليونيفيل في الناقورة.
الجانب الفرنسي أبلغ بيروت قبل أيام بأنّ الأعمال العسكريّة الإسرائيليّة غير مرتبطة بالمسار الدبلوماسي، محذرةً بأنّ إسرائيل لن تتوقف عن تنفيذ العمليات ما لم ينتهِ الجيش من نزع سلاح حزب الله.
كما أنّ الجانب الفرنسي عبّر عن تخوفه من أنّ التصعيد الإسرائيلي ليس مستبعدًا؛ فليس هناك ثقة مطلقة بشأن التقدم الذي يقوم به الجيش اللبناني جنوب الليطاني، ولا بشأن التقارير المتعلقة بنسبة ما تم نزعه من سلاح الحزب. كما أنّ هناك طلبًا فرنسيًا بأن تقوم قوات اليونيفيل بموازاة الجيش اللبناني بعمليات نزع السلاح، خاصّة فيما يتعلق بالدخول إلى المنازل والأملاك الخاصّة. بالتزامن مع ذلك كشفت القناة الرابعة عشر الإسرائيليّة عن تلقي حزب الله رسالة أمريكية، وضعت مهلة أخيرة لنزع سلاح الحزب عند بداية العام ألفين وسته وعشرين، وإلا سيكون هناك هجومًا إسرائيليًا واسع النطاق.
الرئيس الأمريكي نفسه دخل على خط الوساطة وتهدئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. فهل يمكن أن تغير تل أبيب من خطّتها أم أنّ لبنان سيبدأ عامه الجديد في الحرب والنيران؟.
إسرائيل تتخذ ذرائع متعددة وتسوّق الروايات المتعلقة في تعزيز قدرات حزب الله وإمداده بالمال والسّلاح من الجانب الإيراني؛ لتكون ذرائع إسرائيليّة لتنفيذ نيتها المبيته تجاه لبنان. في وقت يدور السؤال حول ما يعنيه هجوم واسع النطاق على لبنان؛ إن كانت الغارات الإسرائيليّة التي تستهدف قدرات حزب الله لم تتوقف طيلة هذا العام من عمر الاتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان؟
فهل الهجوم واسع النطاق يعني عودة الحرب على لبنان، وتوسيع توسيع الغارات أم اكمالها بوتيرة مختلفة؟
حرب الإسناد من قبل حزب الله كانت بدايتها في الثامن من أكتوبر/ تشرين أول 2023؛ عندما إنطلقت شرارتها من الجبهة الجنوبية بلبنان مع إعلان حزب الله عدم الوقوف على الحياد، كما صرّح يومها رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين "نحن بالموقع الذي يجب أن نكون فيه". ورغم ما قامت به إسرائيل من غارات عنيفة على لبنان، وصولًا إلى اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنّها عادت من جديد لتتحدث عن إنهاء قدرات حزب الله؛ فماذا كانت تفعل إسرائيل إذًا؟!.
في لحظة ما قبل العاصفة الجيش الإسرائيلي يرفع حالة التأهب على الحدود مع لبنان، ويستعد للتصعيد مع حزب الله.
فهل اقتربت الحرب؟!.
لبنان يتحرك اليوم على خط تماسٍ مفتوح، الشارع يغلي والحدود تشتعل، والضغط الدولي يقترب من مرحلة الحسم.
مع اقتراب نهاية المهلة الأمريكية لنزع سلاح حزب الله، دون أن يتمكن الحزب من أن يوضح كيف يمكنه مواجهة إسرائيل. فبينما كانت إسرائيل تقصف مقاره في الجنوب، كانت عناصره تشتبك مع الجالية السوريّة في لبنان التي تحتفل بسقوط شريكه السابق بشار الأسد.
الجيش الإسرائيلي الذي يواصل تدريباته هل يستعد لمواجهة عناصر حزب الله بعد أعياد الميلاد ورأس السنة؟
يبدو أنّ إسرائيل تستعد هذهِ المرّه لخطّة منهجيّة لدفع الحزب إلى موقع لا قدرةُ له فيها للمغادرة، وسط تآكل غير مسبوق لسرديّة القوّة بعد اغتيال رئيس أركان التنظيم هيثم طبطائي ليس عسكريًا فقط بل بنيويًا وإستراتيجيًا.
طبطبائي لم يكن قائدًا ميدانيًا فحسب، بل كان حلقة الوصل بين غرفة العمليات في بيروت والحرس الثوري في إيران وسوريا.
تتوزع خيارات الحزب بين التصعيد والمحافظة على خطابات القوّة من دون الذهاب إلى مواجهة واسعة، وهذا الخيار لم يعد قنع الشارع؛ لا الخصوم أو حتى يوقف الضغط الأمريكي الإسرائيلي.
فالتصعيد العسكري هو الخيار الأقل ترجيحًا نظرًا للكلفة العالية داخليًا وخارجيًا.
والخيار الآخر التراجع التكتيكي وقبول تسوية لإعادة صياغة دوره داخل لبنان، وهذهِ التسوية لن تكون انتصارًا للحزب؛ ولكنّها ليست هزيمة شاملة، وهذا ما تدفع باريس وواشنطن نحوه؛ من خلال نزع سلاح الحزب جنوب الليطاني وإعادة تثبيت الدولة كمرجعية وحيدة قبل أن يسبق الميدان الجميع.
الولايات المتحدة إذا لم تكثف مساعيها من جديد من خلال الضغط على تل أبيب؛ فهل ستكثف إسرائيل غاراتها مع مطلع العام المقبل في عمق البقاع اللبناني والضاحية والجنوب اللبناني بوتيرة أخرى ؟!
- مدير مركز الرَّأي للدراسات والأبحاث
الرأي