عمون – محمد الخوالدة - المسجد العمري من اقدم المساجد التي بنيت وسط مدينة الكرك (داخل الاسوار)، كان العم يوسف رحمه الله ويعتقد انه من اصول حجازية شعلة نشاط دائمة الاتقاد في هذا المسجد الذي كان يقيم في سكن قريب، لذلك ظل دائم التواجد في المسجد يسهر على خدمته.

كان العم يوسف ورغم كبر سنه في ذلك الوقت وقبل ان تعرف الكرك التجهيزات الصوتية يصعد مئات الدرجات اللولبية خمس مرات في اليوم وصولا لصحن مأذنة المسجد شاهقة الارتفاع ليطلق بصوته الرخيم النداء الرباني "حيا على الصلاة""حيا على الفلاح". ولان هذا الحجازي التقي محط احترام كل اهالي مدينة الكرك، لذلك اطلقوا عليه كبارا وصغارا اسم العم يوسف .

لعل الجانب الاهم في مسيرة عمل العم يوسف هو مايتصل منها بشهر رمضان المبارك ، فالعم يوسف كان المسؤول عن اطلاق مدفع رمضان الذي كان ينتصب فوق سور القلعة الشمالي المطل على المدينة لثلاث مرات يوميا ، واحدة لاعلان موعد الافطار واطلاقتان اخريان في الهجيع الاخير من الليل الاولى وتعني بدء السحور والثانية كانت تسمى مدفع (الرفعة) اي بدء الامساك عن الطعام والدخول في نهار صيام جديد.

ظل العم يوسف حريصا على اداء هذه الوظيفة حتى في زمهرير الشتاء الذي تعتبر قلعة الكرك الاكثر تأثرا به من بقية مناطق المدينة لارتفاعها واطلالتها المكشوفة على الجهة الغربية مصدرالرياح الشتوية الشديدة والتي تغدو اكثر اتعابا للانسان ان كانت مصحوبة بالمطر الغزير، ورغم ذلك كان العم يوسف يغادر مسكنه وقد حمل معه في (قفة) جلدية لوازم المدفع الذي كان عبارة عن انبوب متوسط سعة الفوهة من ملح البارود وقطع قماش كان يحشو بها تلك الانبوبة بشكل محكم وفي اسفلها كمبات كافية من ملح البارود، ولاطلاق المدفع كان العم يوسف ومن خلال فتحة صغيرة في اسفل الانبوبة يشعل النار في ملح البارود الذي يدفع بقوة قطع القماش محدثا صوتا شديدا كان يسمعه سكان المدينة والقرى المحيطة بها بالنظر لصفاء الجو وعدم وجود اية مؤثرات تمنع سماعها في ذلك الزمن الطيب، لذلك كان مدفع العم يوسف التوقيت الوحيد لرفع اذاني المغرب والفجر الذي كان يتولاه في المسجد العمري عند غياب العم يوسف في مهمة "اطلاق المدفع" المرحوم الشيخ عبدالحفيظ الزرو، كما كان صوت هذا المدفع اشارة البدء افطارا وامساكا لسكان القرى المحيطة بمدينة الكرك، ففي زمن العم يوسف هذا لم تكن الكرك كماقلنا سابقا تعرف المذياع او اية وسيلة غيرها تنبه الصائمين لهذين الموعدين.

وفي ذكر رمضان ايام زمان في مدينة الكرك فلابد من الاشارة إلى المسحراتي، ويذكر ممن تولوا هذا العمل في ايام العم يوسف المسحراتي "ابوشام"، الذي كان يجوب بطبله وادعيته إلى تداعب شغاف القلوب كافة احياء مدينة الكرك القديمة من اقصاها إلى اقصاها، وكان المسحراتي حينها مكرما محشما يبادله الجميع صغارا وكبارا الاحترام والتقدير.

كان لاطفال الكرك في زمن العم يوسف ذاك حكاية تفيد ان الكثير من اطفال المدينة كان يروقهم مصاحبة العم يوسف الى القلعة لمراقبته وهو يطلق مدفع الافطار، وكان لهم مع ذلك فرحتان، الاولى عند رؤيتهم وصول العم يوسف الى المكان وقد تجمعوا امام مدخل القلعة بانتظار ، فيرددون ببراءتهم عبارة تعكس الفرح قائلين بصوت واحد "اجا العم ياعيال ، اجا العم ياعيال"، اما بعد اطلاق مدفع الافطار فيتراكض الاطفال باقصى سرعتهم عائدين الى منازلهم، ففي ذلك الزمن لم تكن مدينة الكرك بامتدادها الحالي ، بل ان جميع سكانها يقطنون في الحيز الذي تشغله مدبنة الكرك القديمة حاليا بابعاده التي لاتتجاوز كيلومترا مربعا وشوارع ليس فيها اكتظاظ لا لمارة فيما كانت السيارات في المدينة لاتتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.