في الذكرى العشرين لتأسيسه: من اختطف تنظيم «القاعدة»؟
18-01-2008 02:00 AM
خليل العناني - عشر سنوات كاملة أوشكت أن تمر على قيام «الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والنصارى» التي أعلن عن قيامها في 22 شباط (فبراير) 1998، وعشرون عاماً مرت على وضع أولى لبنات «تنظيم القاعدة» عام 1988 بعد الخلاف الشهير الذي وقع بين أسامة بن لادن (ورفاقه المصريين) وعبدالله عزام أبو المجاهدين العرب في أفغانستان طيلة الثمانينات من القرن المنصرم.ومنذ ذلك الوقت مرّ التنظيم بتحولات عديدة ليس أقلها إعلانه الحرب على الولايات المتحدة في 11 ايلول (سبتمبر) 2001 وما أفضت إليه من نتائج كارثية كانت إحدى ثمارها إنهاء الطبيعة الكلاسيكية للتنظيم باعتباره بناء هرمياً شبكياً يستطيع تسيير وحداته والسيطرة على عملياتها مادياً ولوجيستياً، كي يصبح مجرد «وعاء» فكري يلتحف به كل من يرغب في إحياء «الفريضة الغائبة».
فمن محاربة الاحتلال السوفياتي في أفغانستان طيلة الثمانينات، إلى الدفاع عن المسلمين «المستضعفين» في مشارق الأرض ومغاربها من خلال «جيش القاعدة» الذي أسسه بن لادن وأبو عبيد البنشيري (محمد أمين الرشيدي) وأبو حفص المصري (محمد عاطف)، وقع التحول الأول في مسيرة تنظيم «القاعدة» بتدشين «الجبهة الإسلامية لمقاتلة اليهود والنصارى» عام 1998، وتحوّلت الاستراتيجية «الوقائية» (حالة الجهاد الأفغاني) إلى أخرى «استباقية - هجومية» على غرار ما حدث في واشنطن ونيويورك عام 2001 ومن قبلهما في دار السلام ونيروبي في آب (أغسطس) 1998.
الآن ثمة ملامح لوقوع تحول «ثانٍ» في مسيرة تنظيم «القاعدة»، أهمها «اختطاف» المشروع الجهادي للتنظيم على أيدي تنظيمات صغيرة حصلت على «صك التسجيل القاعدي» خلال الأعوام الأخيرة وتسعى بكل جد للحلول محله. وهي تنظيمات تبدو أكثر تطرفاً وانحرافاً من التنظيم «الأم»، وتبدو وكأنها تقف على يمينه (يمين اليمين). في حين يقوم بعضها بتغيير أهداف واستراتيجيات التنظيم «الأصلي»، وإعادة تركيبها كي تلائم مشروعه «الخاص» وذلك على غرار ما يحدث في العراق والجزائر. ولربما يصبح تنظيم «القاعدة» بالنسبة الى هؤلاء مجرد مرحلة «جهادية» يجب تجاوزها من أجل تحقيق الحلم الأكبر في إقامة دولة الخلافة الإسلامية و «سحق قوى الإمبريالية والصهيونية».
وفي هذا الإطار يمكن رصد ثلاثة ملامح أساسية لهذه التنظيمات: أولها يتعلق بالهدف الذي تسعى إليه، وهو الذي تحول من مقاتلة اليهود والنصارى «أينما وجدوا» في حالة تنظيم «القاعدة»، إلى محاولة إقامة «الدولة الإسلامية» بأي ثمن، حتى وإن كان من خلال قتل غيرهم من المسلمين، وذلك على غرار ما يسعي إليه تنظيم «القاعدة» في العراق، الذي تحوّل بعد اغتيال أبو مصعب الزرقاوي من مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق إلى السعي بكل جهد لإقامة «دولة العراق الإسلامية»، ودخل في مواجهات مسلحة مع غيره من فصائل المقاومة العراقية، فضلاً عن العشائر والقبائل السنية التي احتضنته في البداية ووفرت له المأوى والدعم. والآن يشن حرباً ضروساً ضد ما يسمى بـ «مجالس الصحوة» في العراق. وكم كان مفارقاً عدم استماع قادة «القاعدة» في العراق الى النصائح والتوجيهات التي أطلقها الزعيم الروحي لهذا التنظيم أسامة بن لادن قبل شهور قليلة وحث فيها المجاهدين في العراق على الابتعاد عن مواطن الاختلاف والفتنة.
ثاني الملامح يتعلق بالأدوات والاستراتيجيات التي تلجأ إليها هذه التنظيمات، والتي فاقت حدود الخيال ونضجت طيلة الشهور القليلة الماضية، وليس أقلها استخدام النساء والمعوقين والمسنين في العمليات الانتحارية. فعلى سبيل المثال بلغ عدد النساء اللاتي فجرن أنفسهن في العراق طيلة العامين الماضيين ما يقرب من عشرين سيدة حسب أخر الإحصاءات. كما أن أحد الشخصين اللذين شاركا في تفجيرات 11 كانون الاول (ديسمبر) 2007 في الجزائر كان يبلغ من العمر 64 عاماً.
والأكثر من ذلك لجوء بعض هذه التنظيمات الى تجنيد بعض الأوروبيين المنتمين حديثاً للإسلام ودفعهم لتفجير أنفسهم وذلك على غرار ما حدث قبل عامين مع البلجيكية موريال دوغوك التي فجرت نفسها في العراق.
ولا تعد ظاهرة دخول النساء على خط العمليات التفجيرية مكسباً لتنظيم «القاعدة» ومن يدور في فلكه، وهم الذين نجحوا في تحوير ثقافة الجهاد والاستشهاد في عقول هؤلاء، بقدر ما هي تعبير عن مدى الإفلاس الإنساني والأخلاقي الذي وصل إليه هذا التنظيم. بل بالأحرى هي انتصار لمعاني الهزيمة النفسية والاجتماعية التي باتت الملمح الأساسي في بلادنا التي تفتقد للحد الأدنى من الوعي الإنسانوي. ومن منا سينسى ساجدة الريشاوي التي سجلت اسمها بوصفها «أم الانتحاريات العرب»؟ وهي المرأة التي أثارت الدهشة حين أصرت على استكمال عملية تفجير نفذها زوجها في أحد فنادق عمان أواخر عام 2005 ولكنها فشلت.
ثالثها يتعلق بالمرجعية الفكرية والفقهية لهذه التنظيمات الجديدة، وهنا يمكن القول بأنها جميعاً تعاني فقراً شديداً في التوجيه التنظيري وتعتمد فحسب على حسّها العقائدي والايديولوجي المخلوط بالواقع السياسي كمحرض ومحرك على المضي قدماً في المشروع الجهادي «العالمي». والأدهى أن معظم الملتحقين حديثاً بهذه التنظيمات هم إما من أرباب السوابق والمجرمين الذين لا يحظون بقدر معرفي أو تعليمي معتبر (كما في الجزائر والمغرب) وإما من «التائبين» الذين عادوا لممارسة العنف الديني بشكل أكثر ضراوة (في السعودية والجزائر)، وذلك على عكس أولئك الذين التحقوا بالجهاد الأفغاني في الثمانينات وشكلوا النواة الصلبة لتنظيم «القاعدة» فيما بعد.
وليس غريباً، والحال كهذه، أن يدخل بعض هذه التنظيمات في حالة احتراب داخلي وذلك على غرار ما حدث في العراق طيلة العام الماضي، وما يحدث حالياً في الجزائر حيث تنتشر أعمال التصفية الجسدية لكل من يخرج على زعيم «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي» عبد المالك دوردكال (أبو مصعب عبدالودود) أو يلقي السلاح كما هو الحال مع حسن حطاب ومختار بلمختار ومصطفى كرطالي.
وإذا كانت الحالة الجهادية تمر بمنعطف كل عشر سنوات (1988- 1998) فقد يشهد هذا العام تحولاً جديداً في مسيرة الحركة الجهادية، سواء من خلال قيام تنظيم أصولي أكثر يمينية من تنظيم «القاعدة» ذاته، وذلك في محاولة لإبقاء جذوة الجهاد متقّدة خاصة بعد التراجعات التي حدثت في صفوف التنظيمات الجهادية الكلاسيكية (مصر نموذجاً)، أو من خلال حدوث تحوّر مفصلي في حركة التنظيمات التابعة لتنظيم «القاعدة» كي يصبح كل منها تنظيماً «قاعدياً» بحد ذاته ولكن على طريقته المحلية (لبنان وموريتانيا ومصر والسودان والصومال).
وقد نشهد صراعاً حقيقياً بين عدد من التنظيمات الجهادية «الناشئة» من أجل حيازة «إرث» تنظيم «القاعدة» باعتباره «ماركة مسجلة» قد تغوي الكثيرين للانضمام إليها والعمل تحت لوائها استعداداً لدورة «جهادية» جديدة، وحينئذ قد يصبح الترحم على بن لادن والظواهري أمراً واجباً!
(الحياة).
كاتب مصري.