facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مدينة الجبال الملونة


صبري الربيحات
08-12-2014 11:40 AM

بعد رحلة لم تخلُ من المجازفة واستذكار لارواح العشرات الذين لقوا حتفهم على طريق الموت.. وعلى الرغم من انني لم اعد استمتع بالقيادة كما كنت فقد كان عليّ ان ألبي دعوة الاخوات والاخوة اعضاء الاسرة الثقافية في مدينة العقبة لمشاركتهم ملتقى الفن التشكيلي الاول.

على الطريق المتصدعة أسطحه تسير مئات الشاحنات والصهاريج المحملة والفارغة يتبارى بعضها على الطريق الضيق وكأنه يسير في مضمار لسباق الابل او الخيل.

الرحلة من عمان الى العقبة فيها متعة ومجازفة.. فتستذكر وانت تسير مئات الملايين الذين عبروا هذه الفيافي وحجم الخوف والمجازفة والشجاعة الذي تحلى به الاوائل وهم يسيرون في فضاء لا يعرفون ما تحمله الاوقات القادمة لهم من مخاطر ومفاجآت.. وتتوقف احيانا لتستمع الى صهيل خيولهم او ترقب غبار سنابكها الذي قد يكون تاه في الصحراء.. يمر بخاطرك الروم والانباط والغساسنة والروم.. وربما المغول.. وبالتأكيد الاتراك.

تتخيل صورة والي معان فروة الجذامي الذي اعتنق الاسلام في العام الخامس الهجري ليكون اول المسلمين من بلاد الشام وليتم شنقه من قبل الروم على فعلته..

تستذكر رحلة الشام واعوام العسر في الجزيرة العربية.. ويخطر ببالك عثمان بن عفان وقوافل الحرير والزبيب والمشمش المجفف ... وتتذكر رحلات الحجيج وقطاع الطرق والغزوات ويمر ببالك شخصية فارس يصعب ان ينسى الشيخ تركي الحيدر الزبن الذي دخل الغزاة على منازله في اطراف مادبا واقسم الا يخلد الى النوم الا بعد ان يعيد ما سلبوه فاستعار بندقية وفرساً ولاحقهم فاعاد ماله وحلاله بعد ان لحق بهم في اطراف جرف الدراويش.

تمر من اراضي الصخور في الافق اللامتناهي.. وتتساءل عن كيف كانت احوال بني عطية والحجايا والسعيديين والبطونية والطفايلة والحويطات والمعانية.. وكيف ابقوا على وجودهم في هذه الصحراء التي لا يبدو له نهاية..

حديثاً اصبحت العلامات الجديدة للطريق محطات المناصير فما بين كل محطة ومحطة محطة.

كنت اتذكر قصص شباب بلدات وقرى الجنوب الذين التحقوا بالجيش او بالتعليم مبكرا كيف كان الاهل يأتون بهم على ظهور البغال حتى محطات القطار في الجرف والحسا ليستكملوا رحلة البحث عن الحياة..

لا تملك الا ان تتخيل صورة ذهنية للشيوخ والرعاة وقصّاصي الاثر وتجار الاقمشة المتجولين الذين كانوا عنوان الحياة في هذه القفار.

تتخيل منتجي الالبان الذين جعلوا من اسم ضبعة مكانا يرتبط بالالبان قبل طيبة والمراعي وحمودة.. وتتخيل صورة بن صبيح الذي فرض نظام الخاوة على الفلاحين ودفع بشاعر من شعراء البلدات المجاورة ليقول "نطلع من المذخور ونزرع بحزمان.. ولا شيخة بن صبيح علينا جميلة...".

تتخيل الى الغرب من الطريق الشيخ ابو ربيحة شيخ مشايخ بني حميدة وشيوخ العمرو... "والعمر يا عصابة راسي.. يوم المعارك قوية...".

الاصفر شيخ جواد.. احبه اهله وكل الذين عرفوه.. تتخيل السعيديين .. والشيخ السرور ...

تتخيل جدوع العودات وحمد بن جازي وعفاش الجذوان ... والى اليسار تضرب ناظريك لتلاحق غبار الفرس التي انطلقت بفارسها عودة ابو تايه.. الذي عرف الصحراء وكانت بوصلته الدائمة الشرق فظن ان لا فرق بين دمشق وبغداد ومكة.

ما ان تتدلى من سطح معان باتجاه دبة الحانوت حتى تلمح آثار الشيوخ الذين توافدت على منازلهم القبائل طلبا للانصاف والعدل فتشتم رائحة البن والهيل المنبعث من منازل عودة بن نجاد ومنازل الرجال الذين استوطنوا الرواسي الشامخات كالاعلام في رم وكانت عيونهم على مدائن صالح؛ الزوايدة والسعيديين والزلابية وكل العشائر التي اضافت الرمال الحمراء طيبا وحبا وعطاء.

في كل المضارب اليوم مخافر ومحطات للدوريات والدفاع المدني وسجون.. وابناء الشيوخ انتقلوا ليعملوا في التجارة والادارة واستذكار الامجاد.

ما ان تصل الى مشارف العقبة حتى يتولد لديك الشعور بانك بدأت تلامس جنبات الدنيا فالمياه التي في خليجنا امتداد للمياه التي تتواصل لتزنر اليابسة التي شكلت قاعدة الحضارة والاجناس والانساب.. وعلى اطراف الخليج الضيق وفي حدود بضعة اميال يقف المصريون والسعوديون والاسرائيليون ونحن تحفنا الجبال التي تتغير الوانها من ساعة لاخرى وكلما استدارت الشمس.

في اللقاء الذي نظمته مديرية الثقافة لمحافظة العقبة التقى فنانون تشكيليون وشعراء وعازفون ومهتمون بالثقافة ليبثوا الحياة في البحر الذي ابقى على حياته بالرغم من جواره لاقدم البحار الميتة التي يجري الحديث عن تواصلهما ليبعثا الحياة في الاخدود الواصل بينهما..

اللقاء دافئ دفء المكان، والمشاركون متعطشون للتعبير عن فيض حبهم وجمال ارواحهم لمحيطهم.. السيدة انتصار عباس وياسر الزلابية.. والبطوش وركاد خطار والفنانون التشكيليون الذين جاءوا من عمان والسلط واربد والعقبة وعجلون ليتحدثوا ويعرضوا اعمالهم ويشترك طلبة مدارس العقبة في انجاز جدارية تؤرخ للملتقى التشكيلي الاول ولتظل بصمة تعبر عن خيار الفنانين والشعراء والعازفين والداعمين الذين اختاروا بالامس ان يحتفلوا بالحياة ويقدموا مقتطفات من الرؤى الجمالية في تشكيلات بصرية وسمعية وروحية امتعتنا وبثت الروح فينا وفي المكان فشكرا لهم جميعا على كل الذي قدموه للمدينة التي انشغلت بهويتها الاقتصادية الخاصة على مفترق او ملتقى قارات العالم القديم وطرف جزيرة العرب بجوار شرم شيخها.. وبين اثار عاد وثمود ومجوهرات شقيلة التي حكمت المدينة الوردية دون ان يأمرها احد بالجلوس او يتذمر من مشاركتها له سلطة التشريع او بيع الولاء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :