عمون - يبدأ الكاتب البارز الزميل حلمي الأسمر الكتابة في عمون وفيمايلي المقال الاول :
-1-
حدثني أحد الساسة المخضرمين، وهو لم يزل على قيد الحياة، أنه كان يضحك ملء فمه من مطالعة بعض الأخبار التي تتحدث عن لقاء هذا السياسي بذاك، حيث يقول خبرهم أن فلانا التقى فلانا، وبحثا العلاقات الثنائية، و"القضايا ذات الاهتمام المشترك"!
يقول صاحبنا، أن القارىء أو المستمع أو المشاهد، كان يظن طبعا أن ما يشغل بال السياسييْن الاثنين قضايا كلا بلديْهما وما يهم مواطنيهما، أما الحقيقة فهي مكان آخر، يوضح لي هذا المخضرم، أن الحديث كان يدور في معظمه عن المنشطات الجنسية، وأحدث الأدوية في هذا المجال، ما يعني أن القضايا ذات الاهتمام المشترك لم تكن كما يحسب المواطن، خاصة إذا كان السياسيان ممن أعمارهم بين الخمسين والستين!
التعميم هنا لا يصح، فثمة قضايا ذات اهتمام مشترك، غير العلاقة الحميمة بين الرجل والمرآة، مما يهم "ولاة الأمر"، منها مثلا زيادة الاستثمار في المستقبل(!) عبر تنمية أموال "التقاعد" الإجباري الفجائي مثلا(!) أو زيادة رقعة أملاك الأنجال والأقرباء والأنسباء والجيران والأحبة والأصدقاء والمستشارين الظاهرين والباطنين، فضلا عن تنمية المقتنيات الثمينة وتعظيم مساحة الرفاهية، ومع هذا، يبقى متسع في "أوقات الفراغ" مثلا لرعاية الشؤون العامة، ولكن هذا لا ينفي أن معظم اهتمامات الساسة "منحرفة" إلى مصالح أخرى غير مصالح "الرعية" ولعل هذا ما يفسر الانهيارات الكبرى التي تمنى بها أمتنا، على أيدي هؤلاء!
-2-
ما هو مؤلم أكثر من كل ما سبق، أن نجد طبقة واسعة من "النخبة" مهمتها تسويق الوهم، وترويج الأكاذيب، حيث تنحصر رسالتها "المقدسة" في تبييض صفحة ولي النعمة، وتحويل كل أفعاله إلى إنجازات، ولا أسوأ هنا من أن يكون "عالم الدين" جزءا من هذه ال"همروجة" الكاذبة، إذ يبيع آخرته بدنيا غيره، فيبدع في اجتراح الفتاوى المفصلة على مقاس صاحب الفعل، مهما كان فعله قبيحا أو منافيا للدين والأخلاق والعادات والتقاليد، بل يبرع هذا الصنف من "العلماء" في إظهار عبقرية خاصة في تبرير كل فعل يصدر حتى ولو كان فيه هلاك للأمة، وضياع لحقوقها، علما بأن أي سياسي أو عامل في الحقل العام يحتاج لمن يبصره بمواطن الزلل في أدائه، وتقديم النصح الخيّر له، ليس من أجل مصلحة من يسوسهم فقط، بل من أجل مصلحته هو في الدرجة الأولى، فهو وإن كان في منأى عن محاسبة الناس له في الدنيا، فثمة من يحاسبه في الآخرة عما جناه، ولات ساعة مندم!
-3-
من النصائح المستقرة في رأسي لأحدهم، وقد نسيت من هو، قوله وهو يعظ أحد «أولياء الأمر»: لا تحط نفسك بمن يقول نعم، بل تخير من يقول لا، واستمع إليه جيدا!
صحيح أن "القضايا ذات الاهتمام المشترك" المشار إليها أعلاه على جانب كبير من الأهمية، ولكن ثمة ما يستحق الاهتمام أيضا مما ينفع الأمة، علما بأن كل ما ورد أعلاه ينطبق على كل من استخلف على قوم، فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته..
وصدق رسولنا عليه الصلاة والسلام إذ يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)، وهذا حديث لا يبرىء أحدا ممن خذل رعيته، كبرت أو صغرت!