facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




د. مصطفى الحمارنة، دَعوه يعمل دعوه يمرّ


د. نزار قبيلات
21-07-2018 03:55 PM

كثيراً ما تثير طروحات مصطفى الحمارنة الجزلة والدسمة زوبعة وصخباً كبيرين، فالرجل عاصر المطبخ السياسي وخبره بكافة درجات حرارتِه المتراوحة بين حالاتٍ من السّخونة والتجمّد، مؤخراً جيء بالرجل إلى منصّة مختلفة يتعاطى من خلالها مع برامج التحديث والتمكين، فوجد بالمجلس الاقتصادي الاجتماعي المخبر الذي سيُعيد به "خرط" أهم محورين يمكن أن يعرفهما الإصلاح في البلاد وهما: المحور الاقتصادي ومتلازمته الاجتماعية، بيد أنّ هذا الطموح أخذ يتعثر ويخبو كلما لمح برقه في محاضرة هنا أو في مبادرة هناك، وباختصار فإن معطليه عادةً ما يكونوا من المثقفين والنخبويين والمسؤولين الذين مازالوا مولعين في عملية تصنيف الأشخاص وتبيان جيناتهم ومشاربهم أكثر من مناقشة طروحاتهم، فهم يعيشون في جحيم الثنائيات الذي بُني على رغبة الأردنيين وثقافتهم في وضع "ليبل" لكل صوت أو ضوء يخرق إحدى زوايا العتمة في سماء المستقبل القادم، فإن قلت هذا شرقي فإن الاستدعاء لحالة الغربي تستحضر بقوة، وهو ما يحدث في حالة الليبرالي وشقيقه المحافظ، وكذا اليساري واليميني والفلسطيني والأردني والمدني والكلاسيكي وابن العشائر وابن الأقليات، إذ مازال العقل العربي يخشى المستقبل ويرتد للماضي في حالة نستولوجيا أردنية مستعصية، وفيزيائياَ فإن أي خطوة إلى الأمام على مسربي الاقتصاد والاجتماع تواجَه بتيار مضاد مُشكّك يمنع هذا التحرك ويجهز عليه من خلال خلق حزم من الاتهامات "برّا و جوا" والإحباطات من كافة الأنواع، فكلما يرمي المجلس حجراً في بركة راكدة حتى يتطاير عقبها وتتقافز معه أشياء لم تُرَ في حالة سكون البركة قبلاً.
الحمارنة صاحب نهج عملياتي يقوم في شكله العلمي على مبدأ التقييم بعد الرصد والجمع والتحليل، وهو ما تقوم عليه مناهج البحث العلمية لا التنظيرية، فاسم المجلس الذي استقي من هرم "ماسلو" وبرهنته لسلامة الإنسان ووجوده عبر التحقق من قوام اقتصاده والتأكد من استكانته في بيئته المجتمعية الحاضنة لا يعتمد الظنون ولا الوعود ولا حتى الكلام الإنشائي، ولأنّ مصطفى حالة ناضجة في النهج العلمي والدأب الناهض فإنه دائماَ ما يحدث جلبة خلف مِقود القيادة الذي يعتليه، وذلك على النقيض ممن استلموا دفّة القيادة قبله، فهو يحقق كل مرة طوراً جديداً ومستوىً أرفعَ في الأداء، سواء أكان ذلك في مركز الدراسات الاستراتيجية أم في مبادرته البرلمانية أم في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، فإشكالية الرجل تكمن في أنه قادر على الدوام على زحزحة التمثال من مكانه نحو شعاع الشمس المنبجس من نافذة أسدِلت عنه بقصد.
يغضب الكثيرون من نهج الدكتور فقد حدث وأن طال الأمر إلى أن أتهم الرجل بالعمالة والفساد، رجل مخضرم خاض الانتخابات البرلمانية والتضييق والعزل والمعارضة والموالاة يسير الآن متماهيا مع دروب المجلس الاقتصادي الاجتماعي الملتوية، وكأنه يريد أن يقفل محطات رحلته على أهم نقطتين منهما يُفترض أن يخرج شعاع الوطن الأردني الجديد، والغريب أن القوة التي تقابل الدكتور وتنتقده غالبا ما لا تقدم أمامه سوى تلك التهم الجاهزة والمعلبة بالقذف والاغتيال دون أدلة او براهين، وهي تُهم تأتي عادةً من معسكر محافظ يخشى عجلة الزمان وحركة تاريخه، الدكتور مصطفى وكل القادمين من المعسكر اليساري أصلا يطالبون بذات المطالب الوطنية التي أشعلها الحراك في ذيبان والطفيلة والرابع...، حين خرج الناس بعد أن شهدوا الاعتداء على سيادة القانون ومقدرات الوطن، فقد كنت كثيرا ما أسمع من الدكتور عن روافع حقيقة للوصول بالبلاد لحالة حداثية تخلصه من التبعية والنمط الاستهلاكي والرجعي ومن الكمبرادوريين الجدد، وهذه الروافع هي إنقاذ وتفعيل التعليم العالي والعام والمشهد الثقافي والنقل والمواصلات والصحة والزراعة وسواها...، وهي ذات الملفات التي يعمل الدكتور وفريقه عليها في مؤتمرات المجلس ولقاءاته التي يعقدها، فالمدعوون هم من ذوي الخبرة والاختصاص حتى لو كانوا مزارعين وحرفيين ومراسلين، إذ لم يستلم يوما وزارة الداخلية ويجنّس أفارقة.
مَن يغضب من الدكتور مصطفى يرميه بحجر العمالة التي ألقي به قبلاً، وكأن الرجل وعائلته ينحدرون من بدو نيويورك أو من قضاء فلوريدا أو أنه ابن عمّة لورنس العرب، مصطفى الحمارنة كثيراً ما يتحمل عواقب جرأة طرحه الذي أطاح به غير مرة، فكثيراً ما غضب منه المستورزون والكلاسيكيون وكثيراً ما انقلب عليه رفقاء وأصدقاء جلسوا معه طويلا على موائد عامرة، إذ لم يخرج بعد النقد الأردني من مأزقه القائم على الثنائية والاتهام بالشللية والسرقة والخيانة، ذلك لأن النوايا في الوصول لمستوى مدني حداثوي تتطلب التخلّص من الأقنعة التي يرتديها الطائفيون والاقليميون والمنتقمون من خسارتهم في أفغانستان، ربما هي ضريبة من يحاول أن يشرئب بعينيه ورقبته نحو المستقبل متناسيا من يحيط به من كومة "ليش مش أنا".
الرجل يقترب من عقده السابع، ولا يطمح في وزارة أو سفارة، بل يأمل في أن يأخذ حقه ليتفرغ لمشروعه التقاعدي في البحث حول (لماذا لم ننجح)، الرجل بصوته وبتلك التلويحة التي يعهدها من عرفوه ماركسيا أو ليبراليا يصرّ على شكل الهوية الفلسطينية هوية مقاومة ضد الصهيونية، فمصطفى عاصر مراحل الصراع العربي الإسرائيلي وخبر كل درجات الحرارة الباردة والساخنة في المطبخ السياسي الأردني منذ الارتباط، وهو بحكم خبرته لا يتأخر في إعطاء رأيه أو الركض حول أي طوق نجاة تلتقطه عيناه المبصرتان، لطالما اُتهم الرجل بأنه وصف العشائر بميلشيات، إذ هذه تحديداً ليست من بنات أفكار مصطفى، فجلالة الملك كان قد انتقد في أن تقوم عشيرة في الدفاع عن ابنها خارج سياج القضاء والمحاسبة، بيد أن المتصيدين يختطفون جملته من سياقها ومقامها ليعود فيعلن غير مرة بأن العشائرية هي أُس الواقعية الوطنية التي على أبنائها أن ينتظموا في شكل حزبي أو نقابي أو مؤسساتي، وهو ما احتاجته دول عربية لم تتهاو بعد ربيعها العَجل؛ فمصر العربية مثلاً لم تدخل حربا أهلية ذلك لأنها دولة مؤسسات عميقة، وتونس كذلك لم تسقط لأنها دولة حضرية متمدنة. في حين تحتاج اليمن اليوم إلى حرب كونية لتنتهي من أزمتها القبلية والطائفية.
لا يحمي الرجل الفساد بل يندد به حين يطالب علناً بسَن قانون المساءلة لحكومة الرزاز الجديدة قبل أن تبدأ، وبوقف كل أشكال الوعي المزيف الذي أنتجته الواسطة والمحسوبية التي غاصت في ملامح المؤسسة الأردنية، فالمشكلة في أنّ بعض النماذج التي قدمتها العشائرية ارتبطت غالبا بقصص تنفيعات ومحسوبيات مرّت من تحت عباءة العشيرة، في حين يتساءل د. مصطفى عن طموحنا في دولة مدنية مازالت تتعامل مع مبدأ واجهاتها العشائرية رغم قانون الأراضي الصادر عام 1933 ، ثمة تناقض ومفارفة في مواقف كثير من رجال السلطة الأردنية الذين يخشون من الطيران نحو المدنية والعلمية والمعيارية تلك التي سيفقدون معها نفوذهم ومكاسبهم، فالواضح هو أن العشائرية في المؤسسة الأردنية وفي السياق الاجتماعي هي عمليا ما يقلق الحمارنة، فقصص العشائرية التي أطاحت بأمن البلاد كثيرة... فكيف إذا لمؤسساتنا أن تقوم وتنجح بعد أن قام أحد مدراء جهاز الأمن السابقين بترميج عدد من أبناء القبائل الأردنية في الوقت الذي لم يمرر فيها المدير ملفات أبناء عشيرته على لجنة ترميج الضباط، كيف يمكنني أن أقنع سائحا بأن يزور مدينتي التي شهدت هذا الصيف غزوة جديدة لا تختلف في شكلها عن معارك قبائلنا وغزواتها في مأدبا قبل عدة عقود، فالحمارنة وغيره كانوا مستفَزين من مشهد العراك القَبَلي مؤخراً الذي لم يقُم على الخيل بل على سيارات من ذات الدفع الرباعي، كما واستُعملت فيه أسلحة أوتوماتيكية ومتطورة، فطار حينها الأمن والأمان بطرفة عين، كل ذلك تمّ في بلد يغصّ بالسياح والطلبة الأجانب وفي بلد يأمل مليكها الشاب أن يراه بلدا ديمقراطيا حديثاً.
الدّفاع عن الحمارنة يتطلب حِجاجا شجاعاً، فأنا من جيل يرى في مصطفى حالة تشكّل همزة وصلٍ بين تيارات بلادنا في زمن الأيدلوجيات العابرة كالماركسية والقومية والإسلامية والمقاومة وبين بلادنا التي تتجاوز اليوم مربعات ما بعد الاستعمار مقتربة من رغبتها في صنع حالة وطنية حداثوية مستنيرة، وحين يُتهم بأنه يُدعم ماليا من مؤسسات أمريكية يضحك الرجل ملء فِيه ولسان حاله يقول: "مهي البلد تستفيد من المنح الخارجية كمان"، ناهيك عمّا رُشق به الرجل من انتقادات بخصوص أبناء الأردنيات، فكلّ ما فعله الرجل حتى اللحظة أنه أمدّ بعضهن بماكينات خياطة تسدّ رمقهنّ في الوقت الذي تركنَّ فيه دون ضمان أو غطاء اجتماعي.
زيادة الإردنالين في الحوارات الأردنية لن تخدم أحدا سوى خلق مزيد من الضوضاء والتلوث، وعلينا الخروج من مأزق التصنيفات والإلتفات إلى ملفات صارت توضع بقوة على طاولات الحوار و الاشتباك و التعاطي، ملفات تخص صحتنا وتعليمنا وقطاعاتنا الخدمية، فلا أحد يهمه اليوم "منقع الدم" بقدر ما يهمه أن يؤمّن تصورا مفيدا لمستقبل عماده اقتصاد مستقر وبنية مجتمعية متماسكة، مصطفى لم يقفز يوما إلى المجهول لكنه دوما يحرج كل "هزيزة الرؤوس " أمام الملك وهو يعيد رسم طريق البلاد ويوصّف حالتها. يوصف المصطفى بانه بات وبهذه الخبرة الطويلة وبهذا الشيب الذي غزا شعره حكيم القرية الذي لا يسمعه الناس إلا متأخرين.





  • 1 Ghassan Masannat 22-07-2018 | 11:24 AM

    أبدعت دكتور نزار

  • 2 مقال يستحق القراءه 22-07-2018 | 04:58 PM

    كلام في الصميم، يا حبذا كل أبناء الأردن يفكرون هكذا


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :