محمد عبده .. مكانة الفنان .. • بقلم : إبراهيم السواعير
21-07-2009 05:23 AM
• إبراهيم السواعير.
نحنُ الأرادنةَ، لفنان العرب محمد عبده عندنا مكانة لا تعدلها مكانة فنّان؛ تشهد على ذلك دموعنا وآهاتنا وتفاصيل حياتنا؛ فكم أنبتت عبراتنا أشجار الأمل، وكم تحسسنا وجوه الأيّام؛ لعلّ يوماً جديداً يأتي بالبشرى.
نحن الأرادنةَ حفظنا الرجلَ عن ظهر قلب؛ لأننا شعراء بالفطرة، لدينا تراثٌ هائلٌ عريق، وكم نسجنا على منوال قصائده قصائدَ، وكم فاضت عيوننا ونحن نبدع قوافينا في الكرم والإيثار والحب الصادق الشفيف.
نحن الأرادنةَ نفرح بفنان العرب إذ يحلّ ضيفاً على أبي المهرجانات "مهرجان الأردن"، ونعده أن نصدح معه حتى الصباح، وأن نستعيد طرباً أصيلاً ضيّعته الحداثة، وفجعتنا به حجج التطوير.
نحن الأرادنةَ، لمهرجان الأردن هذا العام طعمٌ خاص؛ في شموله وتنوّع فعالياته في صحارينا وبوادينا وأريافنا:
"طال السفر والمنتظر ملّ صبره؛ والشوق يا محبوب في ناظري شابْ، ردّ النّظر؛ خلّيتْ بالكفّ جمرة، سعيرها في داخل القلب شبّاب".
نعم!.. طال الصبر يا فنان العرب؛ وأخيراً آن أن نراك، يا مُحمّد! وآن لمُحبيكَ ومنتظريك أن يصدحوا في مهرجان الأردن، آن أن تذوب القلوب الضمأى من جديد، آن أن تشتعل أفئدة الحيارى الذين اكتووا فابتعدت بهم الدّيار، وطال عليهم الأمد وهم يدقّون باب الفرج وما من فرج، وينتظرون السنابل التي هاجت؛ فتهاوت حطاماً، وما في الصيف من غيمة، أو في السراب من بارقة.
يا فنان!
"عزّ الخبر، والمهتوي ضاق صدره، يا من يردّ العلم عن هاك الاحباب؛ طيفه عبر، ما ارسل مع الطيف عذره، هو خاطره من لوعتي بعد ما طاب، هو ما ذكر انّ الجفا فيه كسره، للخافق اللي من هوى صاحبه ذاب، يا ما سهر طرفي على حبس عبره، أردّها والوجد للدمع جذّاب، دمعٍ حدر، جاله على المنع جسره، عظيم وجدي للدمع شرّع الباب، يوم وشهر، عزّاه والعمر مرّه، والناس واجد لكن الولف غلاّب!".
يا فنان!
ضاقت صدورنا قبل أن نولد، ونعلم أنّ أغانيك العذاب كانت تداوي جروحنا، وآهاتنا، وعبراتنا، وكان ذلك الشريط الذي حفظناه بمجرّد الاستماع إليه أول مرة، في ذاكرتنا ما يزال؛ كنا قد عدنا والدنيا غير الدنيا، ومؤشّر الأمل يخبو حتى آخر درجاته، ولمّ يهوّن على قلوبنا غير رائعة الأمير خالد الفيصل بصوتك العذب الشجي؛ فردد معنا يا فنان:
"قلبي اللي لواه من الصّواديف لاوي، جرّحته الليالي والحظوظ الرّديّه، والله انّي بوسط الناس كنّي خلاوي، من يلوم المفارق عقب فرقا خويّه؟!.. أشهد انّ المفارق من عظيم البلاوي، مير هذا نصيبك يالعيون الشّقيّة، أتجلّد واقول انّي على البعد قاوي، والله اعلم بقلبٍ فيه الاشواق حيّه، كيف راحت يا ابو تركي حياتي شقاوي؟ وين درب السعادة والحياة الهنيّة، ليت لاهل الهوى والحب قاضي دعاوي، كان اداعي عيون اللي فراقه خطيّه، كنّي المبلي اللي قطّعته المكاوي، كل ما جظّ بالونات زادوه كيّه!".
يا فنان،
هذا أوان الحصّادين، و"الراديو" الأخضر، العتيق، الذي يباريهم في "مارس" القمح الطويل، هذا أوان أولئك الناس الذين قلّبوا كل الأغاني فعادوا إليك وحدك، هذا أواننا، نحن الذين حفظناك، وردّدْناك، وهلّت دموعنا على عتبات كلّ لقاء.
يا فنّان،
هذا أوان العاملين غير المفرطين بالتخمة، يتحسّسون آهاتك، وينامون على أنّاتك، وتطربهم أيّها العندليب موسيقاك؛ يقومون من صباحهم ويعودون في صباحهم، لا يرضيهم غيرك، أنت ملاذهم، يركبون الباصات وسيّارات الأجرة، وكلّهم يشغله ما يشغله، فينامون في الطرقات، وما تزال الدندنات:
"في سحابة.. على متن التمنّي، شفت عمري خَيَالٍ في سحابة، يا ذهابه! تعدّى ما ارجَهَنّ، كن عامه نهارٍ، يا ذهابه!.. من غدا به ربيع العمر منّي، حسبي الله على وقتٍ غدا به.. إلتوى به، رجا قلبٍ يونّ، ويل قلبي تعلّق والتوى به!.. في شبابه.. حبس نشواه عنّي، ما تهيّا لذيذه في شبابه!.. ذا صوابه عقب ما هو طعنّي.. لو نسيته يذكّرني صوابه!.. من هقا به.. يخيّب كلّ ظنّي؛ وآعذاب الخفوق اللي هقا به ردّ بابه.. زماني وامتحنّي، يوم ثوّر عجاجه، ردّ بابه؛ يا ربابه!.. على المسحوب غنّي من قصيدي بكى قوس الربابة!!".
يا فنّان!
ما تزال العيون هي العيون، وما نزال جرحى العيون! العيون التي لا ترحم الضعيف المغرم، المنساق إلى أهدابها التي تطيح بذوي الألباب وتصرع الحكماء؛ فردد معنا يا فنان:
"الله اكبر كيف يجرحن العيون! كيف ما يبرى صويب العين ابد، احسب ان الرمش لا سلهم حنون، أثر رمش العين ما ياوي لاحد! لفّني مثل السحايب والمزون، في عيوني برق وبقلبي رعد، نقّض جروحي وجدد بي طعون، قلت: يكفي قالت عيونه بعد!، أشغلتني نظرة العين الفتون، حيّرتني بالتوعّد والوعد، هي تمون العين والا ما تمون، لي خذت قلبي وقفّت يا سعد!".
يا فنان،
في إحدى ليالي الشتاء الباردة، كانت "الونّة"!.. وكان العقل يغيب، وكان برد الضلوع لا يساويه برد، وكنا لا ثالث لنا، وكان صوتك يسري، وكان الليل يطول، والخوف يزداد، والمقبل يفتح فاه، وكان المذياع الأخضر بين أيدينا يجأر بالونّات:
"أونّ وارياح الليالي تونّي، والبرد في جوفٍ كما الغار خاوي، ما كن لي عقلٍ ولا قلب كنّي، جذعٍ وقف في وجه الايام ذاوي، وبي عبرةٍ محبوسةٍ تمتحنّي، في عيني وحلقي وصدّي شكاوي، وبي من قديم الوقت جرحٍ مكنّي، وبي من جديد ايّام وقتي مكاوي، ان قلت زانت خالف الوقت ظنّي، وان قلت هانت عاجلتني بلاوي، أجامل ايّامي ولا جاملنّي، هامت بي الدنيا هيام الخلاوي، والوقت جاير والليالي اسهرنّي، والحزن ما بين الضلوع مْتلاوي، أوِنْ وكلٍّ يحسب انّي أغنّي، عليل وكلٍّ يحسب انّي مداوي".
يا فنّان:
نسافر معك، ونعود معك، ونترخّص كثيراً لهذا "الظبي"؛ المغفور ذنبه، المتجددة صورته الضحوكة، فرحة الأعياد، المطر الهتّان، ونبقى ننتظر ذلك "الوسم" الباعث في صحرائنا بعض أمل:
" تدلل علينا يا سميّ الظبي وش عاد! تدلل ولك بامر الهوى شافعٍ عندي، ولك في خيال الشاعر المهتوي ميعاد، ومجلس على غيمة وليلة قمر نجدي، أسافر معك لبلاد وانزل معك في بلاد، ومن غيمة لغيمة ولا للسما حدّ، رسمتك ضحوك الفجر يا فرحة الاعياد، ولمعة شعاعٍ ينغمس في ندى ورد، وغنّيت بك صوتٍ لقلب الهوى ميلاد، ونغمة غرامٍ ذاب في لحنها وجدي، أشوفك مطر هتّان لا برقٍ ولا رعّاد، من الوسم يبعث بالصحارى زهر ودّي، أحبّك وصل وبعاد احبّك رضا وعناد، ولا يختلف وعدي ولا ينتقض عهدي".
يا فنّان:
نستأذن معك من الساحل الغربي، لعلّ الأمواج تترفق قليلاً بنا، ولعل صاحبة المبسم العذب، الغزالة الخائفة تلطف بالصيّاد:
"دستور يالساحل الغربي، فلّيتْ في بحرك شراعي، يا موج هوّن على قلبي، داعيه من شطّكم داعي، اللي لها مبسمٍ عذبي، رعبوب وعيونها وساعي، مملوحةٍ زادها ربي، لفتة ظبي يوم يرتاعي، لو ما تهيّتْ على دربي، لقتني بدربها ساعي، حنّيتها من حمل ذنبي، لي مت وعيونها تراعي".
يا فنّان:
يا رفيق "القمرا"؛ والغدير، و"الطعس"، والقمر، والنجوم، في رحلة نجد:
"سريت ليل الهوى لين انبلج نوره، أمشي على الجدي وتسامرني القمرا، طعس وغدير وقمر ونجوم منثورة، أنفاس نجدٍ بها جرح الدهر يبرا، يا نجد الاحباب لك حدر القمر صوره، طفلة هلال وبنت أربع عشر بدرا، حبيبتي نجد عيني فيك معذورة، معشوقة القلب فيها للنظر سحرا".
يا فنان،
الهبوب هو الهبوب، وفيه للعاشقين بعض راحة، وما يزال التمنّي:
" كل ما نسنس من الغربي هبوب، حمّل النسمة سلام، وان لمحت سهيل في عرض الجنوب، عانق رموز الغرام، لك حبيبٍ ما نسا، كلمته دايم عسى، أطلب الله وارتجيه صبح يومي والمسا، كل زين اشاهده وانتم بعيد، منوتي ليتك معي، وان سهرت الليل اهوجس بك واعيد، هل لاجلك مدمعي، وانت هاجس خاطري، وانت فرحة ناظري، يا قريب ويا بعيد، فيك أمس وحاضري، نشوتك تلعب مع قطر المطر، وانتشى قطره معك، والسحاب يطاردك بين الشجر، خالق الزين ابدعك، الندى في وجنتك، صار عطر بلمستك، والهوى غنّى طرب، تستثيره بسمتك، كلّما ضمّت عيوني منك طيف، يا بعد كل الطيوف، قلت ما مثلك على الدنيا وصيف، لا حشا مالك وصوف، لا سحاب ولا مطر، لا نسيم ولا زهر، لا طيور ولا زهر، ولا مع باقي البشر!".
يا فنّان، كلنا متناقضات؛ تملؤنا الأضداد، نضحك والدموع تتجمّع في المقل، تهزمنا تلك الـ.. "النجلاء" ونحن وأنت في الميدان لا يُشقّ لنار غبار:
"قالت من انت؟ وقلت مجموعة انسان، من كل ضد وضد تلقين فيني، فيني نهار وليل وافراح واحزان، أضحك ودمعي حايرٍ وسط عيني، وفيني بداية وقت ونهاية ازمان، أشتاق باكر واعطي امسي حنيني، واسقي قلوب الناس عشقٍ وظميان، واهدي حيارى الدرب واحتار ويني، واحاوم صقور الهوا حوم نشوان، واسيّل الوديان دمعٍ حزين، في عيني اليمنى من الورد بستان، وفي عيني اليسرا عجاج السنين، تهزمني النجلا وانا ند فرسان، واخفي طعوني والمحبة تبيني، إمّا عرفتيني فلا اني بزعلان، حتى أنا تراني احترت فيني.".
يا فنان،
كم رددنا معك:
" ستّل جناحه ثم حام، يرقى على متن الهوى، يزفّه بْعيدٍ وانا محدود في حد النظر، له بالهوى شف ومرام يلعب مع الغيمة سوا، ولا جناحٍ لي واطير، والأرض صارت لي مقر".
يا فنان،
شوّقنا خالد الفيصل إلى نجد؛ فتمنى كل من ذاب في ألحانك أن يراها، وما أشبه اليوم بالبارحة: يقف المشتاق بعيداً في آخر الدنيا فيطربه "ابو نورة"، في مناجاة نجد:
"ليالي نجد ما مثلك ليالي، غلاك اوّل وزاد الحب غالي، ليالي نجد للمحبوب طيبي، أمانة نور عيني يا ليالي، حبيبي لي ذكرت انّه حبيبي، دريت اني حظيظ وزان بالي، على شانه تهاونت المصايب، أذوق المر لاجل رضاه حالي، والى من الزمان اشتدّ حرّه، لقيت بقرب مظنوني ظلالي، عفا الله عنه مما جاني اوّل، غسل حبّه جميع الهمّ تالي".
يا فنان،
اللوعة تذبحنا، وكلّما بردت عيوننا سخنت بالدموع، فقد غاب من كان يؤنسنا، وودّع من غير عودة، فيا أيّها العذّال بالله أقصروا:
"أيّوه، قلبي عليك التاع، ما يحتمل غيبتك ليله، عساه عساه ما يرتاع، عليك يا نافلٍ جيله، غنيت يا ابو عيون وساع، من غيرك اقصد واغني له، معذور لو صرت بك طمّاع، من حبّكم ما لنا حيله، القلب من يمّكم نزّاع، لو حاولوا صعب تحويله، ما ني بمن عاذلي سمّاع، والله ما اقطع مواصيله، من لام راعي الهوى خدّاع، سيّور الايّام تبدي له، ما ضاع عمرك معي لو ضاع، ماضيه والا مقابيله، سلّمت لك خافقٍ جزّاع، عساك يا زين تاوي له!".
يا فنّان،
"من العام الاوّل" ونحن ننتظر:
"أبي منه الخبر ويقول للَّهْ، لفى المرسول ما عيّن محلّه، وقلبي تايهٍ من عام الاوّل، ألا يالله يسّر من يدلّه، خذاه اللي على خدّه علامه، سوادة غيم في شمسٍ مطلّه، سرقني ما دريت انّه سرقني، سلبني واحسب اني فاطن له، انا يوم ارسل عيونه لقلبي، عطيته مهجتي والمعطي الله، نِصف زين الخلايق في عيونه، وباقي الزين في باقيه كلّه.".
يا فنّان،
لا نملك إلا أن نفرح لك وقد عادت، ولكنّها ما تزال بعيدةً بعيدة عنّا، وسنعيد فرحتك ألحاناً من جديد:
" الله عليها عوّدت، وانا احسب الغالي نسي، الله عليها لي بغت، ما يطفي الشمس المسا، هلّت سحابة وصلها، على حياتي وازهرت، واهتزّ قلبي من نبات، الحب زهرٍ واكتسى، يا وصلها الغالي هلا، حييت يا عز الطلب، لا خير في قلبٍ على، مغليه بالدنيا قسا، وش خانه الحب البعيد، إن كان عشّاقه يموت، يخيل برّاقه وهو، ما ذاق طعمه واحتسى، يا حلم الايام الشداد، يا حلم الايام الليان، أبطيت والكلمة عسى، من عقب وحشة ليلتي، هلّت تباشير الصباح، عادت وليفة هاجسي، عادت مزعّلة النسا".
يا فنان،
نوافقك الرأي:
"تستاهل الحب نجديّة، رفيعة الشان عجّابة، العين يا عين بحرية، لقلوب الاحباب نهّابة، والجيد يا جيد ريميّة، تجفل من الزول لعّابة، والريح يا ريح وسميّة، نبت الخزامى تثنى به، صفيت مع صافي النيّة، يوم الذي صابني صابه، ما عاد لي روحة أو جيّة، وقف هوانا على بابه".
يا فنان،
لا يعلم همّنا غير ليلنا، ولا تدرك ضمأنا غير شفاهنا، وتبقى المعاناة:
"يا ليل خبّرني على امر المعاناة، هي من صميم الذات ولا اجنبيّة، هي هاجسٍ يسهر عيوني ولا بات، أو خفقةٍ تجمح بقلبي عصيّة، أو صرخةٍ تمرّدت فوق الاصوات، أو رنّةٍ وسط الظماير خفيّة، أو عبرة تعلّقت بين نظرات، أو الدموع اللي تسابق هميّة، أعاني الساعة واعاني مسافات، واعاني رياح الولع جاذبية، ولاني بندمانٍ على كل ما فات، أخذت من حلو الزمان ورديّه، هذي حياتي عشتها كيف ما جات، آخذ من ايّامي وارد العطيّة".