facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في مئوية الحكومة العربية الفيصلية: حنين للزمن العربي الهاشمي


د. بسام البطوش
29-04-2019 04:31 PM

عاين مؤرخون عرب من لبنان والأردن ومصر والعراق وتونس والجزائر وسوريا وفلسطين والمهجر، تجربة الحكومة العربية في دمشق 1918-1920، في مؤتمر نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في بيروت، في المئوية الأولى للحكومة العربية.

ودارت حوارات المؤتمر حول ثمانية عشر بحثا علميا محكما، على سوية عالية من الرصانة العلمية. وكان ضيف الشرف في المؤتمرهو المؤرخ العربي الأردني د. علي محافظة، حيث ألقى الكلمة الرئيسة في جلسة الافتتاح، وأكد أن محاولة فيصل بن الحسين تعدّ أول محاولة عربية قومية، لانشاء كيان سياسي عربي سوري مستقل. والمؤرخ السوري ( عبدالله حداد) طالب المؤتمرين الوقوف حدادا في مئوية نهاية الحكومة العربية، وقراءة فاتحة المسلمين وفاتحة النصارى على روح الشريف الأمير الملك فيصل الأول.

جاء المؤتمر لتسليط الضوء على تجربة عربية رائدة، تكاد ذكراها تتلاشى في خضم التطورات المتسارعة والمتلاطمة في دنيا العرب. في حين كانت أول محاولة خارج الحجاز للانتقال بالثورة العربية الكبرى، من فكر الثورة وشعاراتها الى حقيقة بناء الدولة ووقائعها ومحدداتها، كما كانت محاولة للانتقال بفكرة العروبة، الى ميدان التجسيد في كيان عربي يجمع الحجازي والعراقي والسوري واللبناني والفلسطيني والأردني - بمسميات الحاضر- في عملية سياسية معقدة، وفي لحظة تاريخية مفصلية، وظرف دقيق.

وبحسب رئيس المؤتمر المؤرخ والسفير د. خالد زياده، صاغت هذه التجربة مفهوما للعروبة استمر عقودا عدة قبل ظهور العروبة الراديكالية المتأثرة بالفاشيات والأحزاب القومية الأوروبية؛ فكانت عروبة هاشمية اصلاحية تعددية، تكفل التمثيل والمشاركة لجميع المكونات الوطنية، كما كانت عروبة دستورية، حرصت على صياغة دستور مدني عصري، يعد من أفضل المشاريع الدستورية العربية حتى اللحظة.

وكانت حكومة فيصل - وهي جزء من المشروع العروبي الهاشمي النهضوي، بقيادة الشريف الحسين محاولة لصياغة مفهوم عصري للعروبة، عبر محاولة بناء دولة معاصرة.

ولعل أبرز مظاهر حداثة الحكومة العربية الفيصلية وعصريتها، إيلاء المسألة الدستورية اهتماما محوريا. ولا غرابة أن يعنى فيصل بدسترة الحكم، وتدعيمه بحياة برلمانية تكفل تمثيل الأمة، وهو الذي خبر الحياة البرلمانية نائبا لجدة في مجلس المبعوثان العثماني. وفي الحقيقة كان حرص فيصل منسجما مع تقاليد الهاشميين في الحكم، حرصهم حيثما أتيح لهم الحكم على تعزيز الحكم الدستوري النيابي.

وكان تشكيل المؤتمر السوري العام ليضم نوابا عن عموم سوريا الطبيعية، يجسد ايمان فيصل بأهمية تمثيل الأمة، ومشاركة الأقليات والمناطق والجهات والفئات جميعها، وسارع المؤتمر الى اعداد دستور الحكومة العربية، وباشر في مناقشة مواده واقرارها، لكن الاحتلال الفرنسي لدمشق واسقاط الحكومة أنهى العملية من جذورها. ونصّ مشروع الدستور على سلطات محددة للملك، وفصل للدين عن الدولة، ونصّ على دين ملك الدولة، وليس دين الدولة، كما نصّ على مدنية الحكومة، وتكريس مسؤوليتها أمام البرلمان المنتخب، وتعزيز مكانة مجلس النواب المنتخب ودوره مقابل مجلس الشيوخ المعيّن، وضمان الحريات العامة والفردية، واحترام التنوع الاجتماعي والديني.

فكما لم تكن القوى الاستعمارية لتسمح للمشروع العربي الهاشمي بتوحيد أقطار آسيا العربية في دولة موحدة، كان رفض الاستعمار والصهيونية لتوحيد فيصل لبلاد الشام في كيان سياسي عربي موحد. وكانت للاستعمار رؤيته المصممة على تنفيذ اتفاقية سايكس – بيكو، وتطبيق وعد بلفور. فلم يكن ممكنا السماح لفيصل باعادة تشكيل بلاد الشام، على قاعدة المصالح العربية؛ فالمشروع العربي الهاشمي بكليته، ومشروع حكومة فيصل، يشكلان تناقضا حادا مع الهيمنة الاستعمارية ومصالح القوى الاستعمارية والمشروع الصهيوني. ولم تجد مساعي فيصل لدى القوى الدولية التفهم المطلوب، أو حتى الرغبة في مجرد الاستماع. فقد خذلت بريطانيا حليفها فيصل، ممثل حكومة الحجاز في مؤتمر الصلح، في الوقت الذي كانت فيه القبضة الفرنسية تواصل إحكام سيطرتها على سوريا، وكانت الصهيونية ووايزمان، في مواجهة فيصل في كل محفل.

ولم تنجح محاولات فيصل في تحييد الاعتراضات الصهيونية في هذه اللحظة العربية الحاسمة الهادفة الى ترسيخ كيان عربي في سوريا الكبرى؛ سيواجه مستقبلا الصهيونية وأطماعها في الهجرة والاستيطان واقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، فالصهيونية كانت تعي تمام الوعي أن ترسيخ دولة عربية في سورية الطبيعية، سيكون هو الرادع الحقيقي العملي للمشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي المدعوم بريطانيا. ولم تنفع العرب وفيصل، عواطف الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون، ولم تجد توصيات لجنة كنج-كراين من يقرأها في الغرب! وعصفت أخيرا رياح الدنيا ورياح الغرب والعرب بمشروع عربي وليد وواعد.

فإلى جانب العامل الدولي المعيق والمعادي، كان العامل الداخلي في سوريا الطبيعية، لا يقل إعاقة في ظل الانقسامات والنزعات المحلية، وضعف البنى المحلية على الصعد الثقافية والادارية والإقتصادية، الموروثة من الزمن العثماني. كما لم يتهيأ العامة للخروج من فكرة التبعية العثمانية؛ فقصر عمر التجربة العربية الفيصلية لم يسمح للناس باستيعاب التحولات، التي طرأت على منطقتهم والعالم، بعد نهاية الحرب العامة الاولى بسقوط ثلاث امبراطوريات تاريخية هي؛ العثمانية، والنمساوية- الهنغارية، والقيصرية الروسية.

وابتلي فيصل بنخب وزعامات وأعيان وشخصيات، ليست كلها تبغي مصلحة الأمة، ولا تعي اللحظة السياسية واشتراطاتها ومتطلباتها ومحدداتها؛ فالعامل الشخصي والنفعي والطائفي والمذهبي والمناطقي، كان حاضرا بقوة في كل ما يقوله ويفعله بعض الرجالات، ممن يحيطون فيصلا إحاطة السوار بالمعصم. وساهم غياب الوعي العام بمجريات الأحداث ومآلاتها محليا ودوليا في أوساط العامة، في زيادة صعوبة مهمة فيصل، وإعاقة مشروع بناء الحكومة العربية، فالعامة لم يستوعبوا أهمية قيام مثل هذا الكيان الواقي للبلاد من أن تمتد لها ألسنة الأطماع الاستعمارية والصهيونية، وكانوا تبعا لأعيانهم وزعاماتهم الاجتماعية والطائفية، بما يتخلل ذلك من مصالح فئوية ونفعية، وقصر نظر، وارتباطات وولاءات متعددة حينا، ومعادية حينا آخر، أنتجت مواقف متطرفة وعدمية يبحث أصحابها عن الشعبوية، ولا يتقنون قراءة المشهد الدولي والمحلي.

حاول فيصل محاورة الدنيا كلها، والانفتاح على القوى العالمية المؤثرة، على تضاربها وتنوع مصالحها ومواقفها. وبذل جهدا اسطوريا للتعاطي مع عجرفة الجنرال غورو تفاديا للحظة الصدام في ظل موازين قوى مختلة تماما، لكن فرنسا بحسب الشيخ محمد رشيد رضا، كانت مصممة في كل الأحوال على إخراج فيصل من دمشق، وإنهاء تجربته، وحتى لو قبل بالإنذار، فقد كان غورو ناقماً على فيصل لسماحه بالاعتداءات على القوات الفرنسية، ولميوله نحو بريطانيا، ولمكانته في قلوب الأهالي في سوريا، مما قد يشكل خطراً على مصالح فرنسا بمرور الوقت، اضافة الى خشية فرنسا من تعزيز نفوذ حكومة الحجاز في سوريا، وغضب فرنسا ومعها بريطانيا من قرار إعلان الاستقلال في الثامن من آذار 1920 ابتداءً.

وأخيرا لجأ فيصل الى خيار مواجهة الجيش الفرنسي المتقدم نحو دمشق، بعد أن كان يأمل بأن قراره السابق بقبول الإنذار، سيخفف من العدوان الفرنسي ويعيقه، فجاء قرار الدفاع عن دمشق وسط حالة من الهيجان الشعبي المطالب بالقتال. وذهب الملك فيصل إلى الجامع الأموي يوم الجمعة 23 تموز، ليعلن الدعوة إلى الجهاد والدفاع عن البلاد. فكانت ميسلون بتاريخ 24 تموز، واضطر فيصل لأسباب أمنية الى مغادرة العاصمة في قطار، توقف على مشارف دمشق في محطة الكسوة، ومن المفارقات الدرامية في تلك اللحظة الفارقة، أن نحو خمسين من أركان الأحزاب والجمعيات والوزراء وكبار الموظفين وأعضاء المؤتمر السوري العام، وجلهم من غلاة المعارضين لسياسات فيصل العقلانية، والرافضين لتفاهمات فيصل- كليمنصو، والمطالبين باعلان قرار الاستقلال، لفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع بغض النظر عن النتائج، والمقدرة على حماية الاستقلال وصونه، كما ضغطوا بقوة لرفض انذار غورو، والذهاب الى خيار المواجهة العسكرية، مع أن قائد الجيش ياسين الهاشمي في تقديره للموقف العسكري، الذي قدمه للحكومة والزعامات السياسية، أكد أن الجيش العربي لن يستطيع بامكاناته الراهنة مواجهة القوات الفرنسية لمدة ساعة في أحسن الأحوال، لكن صوت العقل كان مغيبا، في لحظة شهدت فيها أجهزة الحكومة اختراقات فرنسية لا حصر لها.

في المحصلة صار فيصل محاصرا من غلاة التشدد الزائف ممن أسماهم كرد علي " غلمان السياسة"، و في رواية لفايز الغصين كان أحدهم يقول: أن له قلبا يحارب به سبع دول! وكان دعاة المواجهة والتشدد أول المغادرين، وأول من ركبوا قطار المغادرة، وفي حين عاد فيصل إلى دمشق، ليعاود الخروج منها نهائياً تحت التهديد الفرنسي بتاريخ 28 تموز 1920، نجد أن عدداً من تلك الزعامات الشعبوية، غادر مسرعاً إلى حيفا، ومنها إلى مصر، تاركا فيصل يواجه تبعات الموقف وحيدا!! في حين كانوا يغلقون كل نافذة للتفاهم مع القوى الدولية المؤثرة، لانقاذ ما يمكن انقاذه، في ظل معادلات غاية في الاختلال بين حكومة فيصل الوليدة المجردة من القوة المادية، والفاقدة الى أي حليف دولي، وبين قوى استعمارية عاتية القوة والجبروت.

*عميد شؤون الطلبة /جامعة الحسين بن عبدالله الثاني التقنية





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :