استهل مقالي هذا بالتحية للأستاذ طلال صيتان القاضي على مقالته الرائعة في عمون حول العشيرة والحديث عنها. وأرجو أن يتسع صدره لهذا المقال, لأنني معه ولست ضده فيما طرح من أفكار ولكن لا بد من بعض التوضيحات أوالتساؤلات حول بعض جوانب الموضوع. فأنا أعرف صعوبة المركب الذي اخترت, فالحديث عن العشيرة أمر محفوف بالمخاطر لمن أراد أن يخالف الرأي, وهذا طبيعي ولا ضير فيه ولكن رجائي أن يقرأ الموضوع كاملا قبل التعليق وأن يعامل كوحدة واحدة.
وكتمهيد للموضوع فإنني استهجن جدا من يهاجم العشائرية معتمدا على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قاله فيه" دعوها فإنها منتنه" فالنهي كان عن العصبية وليس العشائرية, بدليل حديثه صلى الله عليه وسلم "ليس منا من دعا الى عصبية". إن التعصب لأي قضية إنما يؤدي قطعا الى إغلاق فكري وبالتالي عدم قبول الطرف الآخر ومناصبته العداء, لا لشيء إلا أن هذا الطرف يخالف الآخر بقضية ما. ويندرج تحت هذا التعصب لفكر معين دون الآخر, أو لبلد دون الأخر او اصول دون أخرى. وهذا التعصب هو الذي اشار اليه صلوات الله عليه وسلامه بأنه منتن. فلنتذكر جميعا قوله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" فما نحن الا من تراب والى تراب.
كذلك استغرب أن يعيب علينا البعض تمسكنا باسم العشيرة في أسمائنا ويدعو هذا الى شطب اسم العشيرة من أسمائنا دون النظر الى ما يشكله هذا الطرح للبعض من حساسيات. وهنا نؤكد لصاحب الطرح هذا, أن العيب ليس في ذكر اسم العشيرة انما يكمن العيب في سوء الأستخدام أو الممارسات في بعض المرات عند هذه الفئة او تلك. فذكر العشيرة في الإسم ليس خطيئة بل هو وسيلة تعارف بين شعوب الوطن الواحد, لا بل انك يمكن أن تتعرف باشخاص آخرين من خارج الوطن اذا أجتمعت معهم باسم العشيرة, وقد قال الله تعالى بهذا الشأن " وحعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"*. فالله تعالى خاطب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله "وأنذر عشيرتك الأقربين"** . وكذلك فإن الرسول صلوات الله عليه لم ينكر أصله وقد قال عن نفسه انا خيار من خيار من خيار وكان يقصد ان الله اصطفى قريشا من بين العرب واصطفى من قريش ال هاشم واصطفاه صلى الله عليه وسلم من هاشم. وعندما ولى المسلمون الأدبار في غزوة حنين وقف الرسول وقال بأعلى صوته انا النبي لا كذب. أنا ابن عبد المطلب. فالعشيرة بحد ذاتها انما كانت ولا زالت فخر العرب, ولم تكن سبب تخلفهم كما يدعي بعض المتغربين وهذا بسبب جهلهم لجوهر العشيرة أو قياسا على بعض التصرفات السلبية التي وللأسف تصدر باسم العشيرة ولا مجال لذكر بعض النماذج منها, لكن يستطيع المتتبع للأخبار أن يقع على مثل هذه التصرفات الفردية.
لقد أخذت العشيرة في العصر الحديث على الدوام الدور الأول في إدارة شؤون البلاد والعباد في ظل غياب الدولة أو بعد العشائر عن مركز الدولة زمن الحكم العثماني وقبل قيام الدولة الأردنية. فكان شيخ العشيرة هو الحاكم الأمر الناهي, وكان مثالا يحتذي بالعدل بين افراد عشيرته. وربما هذا يفسر سر نجاح المسلسلات البدوية. فالمشاهد ربما يرى هذا التاريخ الجميل الذي كان يمثل عزة العرب وكرمهم وتكاتفهم بحيث كان يسعى بذمتهم أدناهم فعلا لا قولا فقط. . لا ننكر ان بعض المحدثين ياخذ على هذا النمط من الحياة انه كان يعتمد على الغزو بين القبائل, ونرد عليه ببساطه ان هذا هو النمط السائد وهذه حياتهم الصحراوية القاسية التى تفرض عليهم شعار "ان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب". ولهذا فقد كان للعشيرة في ذلك الوقت دوران مهمان في حياة الأردني : دور سياسي وآخر اجتماعي.
الدور السياسيي: ويتلخص هذا الدور في سيادة شيخ العشيرة الذي كان يجمع عليه جميع أفرادها, لكن ما الذي حدث بعد قيام الدولة الأردنية؟ دعنا نقتبس من مقال للأستاذ أمجد المجالي *** في رسالته الى دولة رئيس الوزراء حول موضوع العشيرة". ” لقد شكلت العشيرة على امتداد عمر الدولة الأردنية المحور الرئيسي الداعم لكل التطلعات الوطنية قبل تأسيس الدولة الأردنية الحديثة كما كانت العشائر المؤسسة الوطنية الأولى التي فوضت بالتوقيع على العقد الاجتماعي مع العائلة الهاشمية وبالتحديد مع المغفور له بإذن الله الأمير عبد الله بن الحسين في مطلع العشرينات من القرن الماضي ، هذا العقد التاريخي الذي تم بموجبه تفويض المغفور له الأمير الهاشمي بإعادة صياغة العلاقات بين الأردنيين وتنظيمها وبموجب العقد أصبح الأمير أميرا على البلاد وبدأ في بناء مؤسسات الدولة التي كان عمادها العشيرة وأبنائها واكتمل التأسيس بمشاركة الأبناء في عملية البناء والتكريس فأنشأت دولة مهيبة الجانب حافظ فيها ابن العشيرة على روابط الدم والروابط الاجتماعية وتغنى بأمجاد العشيرة وفاخر بأصولها دون ان يتعارض ذلك مع عملية الانتماء للوطن" . اذأ لقد فوضت العشائر سمو الأمير (الدولة) بأدارة شؤون البلاد. ولقد سنت الدولة القوانين والدستور لإدارة شؤون الدولة. ولهذا لم يبقى للعشيرة دور حسب هذا الإتفاق إلا من خلال أبنائها الذين انضموا الى الدولة كموظفين أو جنودا وضباطا في الجيش, فكانت مساهمتهم كجزء من الدولة وهبيتها لا كعشائر. ذلك لأن الدولة التي يراسها جلالة الملك عبد الله الأول (سمو الأمير في ذلك الوقت) هي أم ً رؤوم لكل البلد والأردنين وليس للعشيرة الفلانية أو العلانيية فقط.
والآن دعنا نلق الضوء على دور العشيرة هذه الأيام لنرى أين هي من دورها الأول وأين هي من الإتفاق الذي ابرمته مع الدولة كما أشار الأخ المجالي في رسالته وأعني الدور السياسي (الداخلي) . نعم أتفق مع من يقول أن العشيرة هي عون للدولة في تطبيق القانون, والسؤال هنا هل عجزت الدولة عن تطبيق القانون أو طلبت العون حتى تتبرع العشيرة بلعب دور المسند للدولة؟ إن هذا الموضوع فيه من الشك الشيء الكثير. بل تكمن مشكلة الدولة في بعض الأحيان في بعض الأعراف العشائرية التي ما زالت سائدة والتي يعيق التزمت بتطبيقها أحيانا مهمة الدولة في تطبيق القانون! أن الإصرار على الصلحة العشائرية الكبرى والتي ربما (نتيجة أصرار احد العشائر) تجمع شيوخ البلد من شمالها الي جنوبها وشرقها وغربها ويسبقها العطوة وربما الجلوة هي كلها معيقات لتطبيق القانون برأيي الشخصي. كنت سأتفهم هذه الأمور كلها لو أنها اسفرت عن صلح حقيقي ولكن ما تسفر عنه هذه الصلحات هو اعتراف بالجريمة وعدم شمول الصلح للقاتل مع التأكيد أن يأخذ العدل مجراه (وهل كان العدل سيأخذ مجرى آخر ) وعى ضرورة معرفة اقارب القاتل وللجد الخامس وهذه كلها لا تخدم القانون. اذ ما الفائدة اذا كانت الصلحة لا تخرج القاتل من السجن. انا أعرف أنه بالقضاء الإسلامي أن القاتل عمدا يقتل قصاصا مع الدية وتنتهي القضية الا أن يعفو ولي الأمر فإذا عفى عن القاتل فإنه يطلق سراحه ولأهل القتيل قبول الدية أو رفضها. أما ما يحدث هنا هو أن الصلحة على أهل القتيل فقط ليحصلوا على الأمان فقط., فما ذنبهم هم؟ انا أرى أن يصدر قانون حازم في هذا المجال وتساعد العشيرة على إصداره وهذا سيحسب لها كإيجابية وتصر عليه وهو أن القاتل يخضع لسلظة القانون ويحاكم أمام المحاكم المختصة, ولا علاقة لأهله به. فما ذنب أهل القتيل واقاربه أن يجلوا عن البلد؟ سمعت شيخا جليلا على التلفزيون الأردني يقول أن الجلوة هي لصالح اهل القاتل وليس العكس فهي حماية لهم من فورة الدم. وسؤالي هنا أيضا لماذا فورة الدم ؟ ولماذا ايجاد الأعذار لمزيد من العنف والتخريب بحجة فورة الدم, لا بل وصل الأمر عند حدوث الصلحة إلى التشديد على عدم مطالبة عشيرة القاتل بقيمة الخسائر الناتجة عن فورة الدم هذه . اذا أردنا لأردننا العزيز أن يخطو بثيات نحو المستقبل في هذا القرن فيجب أن نعمل على تشجيع دولة القانون والقانون فقط ولا شيء غيره الذي يطبق على الجميع. نطمح أن يجيء اليوم الذي يشارك فيه أهل القاتل مراسيم دفن القنيل الى جانب اهل القتيل دون حساسيات, فالقاتل بين يدي القضاء لينال جزاء ما اقترفت يداه, ويبقى أهل البلد جميعا أهل القاتل وأهل القتيل إخوانا متحابين في دين الله, وفي مواطنتهم وربما جيرتهم كذلك.
ننتقل الى الجانب الإجتماعي. فهذا الوجهة للعشيرة ما زال مشرقاً والحمد لله. فرغم أن المدنية أقتحمت هذا الجانب إلا أنه ما زال يؤدي مهامه بنجاح. فالعشيرة تجتمع بما يسمى المضافات وتتناقش فيما بينها في هذه القضية أو تلك. ففي الأفراح والأتراح تجدهم جسدا واحدا متكاتفين متعاضدين. وأكثر ما يجمع أفراد العشيرة هو الهم الأنتخابي أو ما اصطلح على تسميته بالعرس الديمقراطي. فهم ينتخبون داخليا من يصلح ليمثل العشيرة بالمجلس ويلتزم الجميع بالتصويت لهذا المرشح الفائز داخلياً. لكن هنا لي همسة في أذن إخواننا وأقاربنا باختيار الأفضل ولا بأس من دعم مرشح آخر من عشيرة أخرى إذا رأينا أنه يخدم الوطن أكثر من زلمة العشيرة, فالنائب الفائز سيكون نائب وطن أولا ومنطقة ثانيا وعشيرة ثالثاً. فليس من المعقول أن نبقي نتحدث عن البرلمان والنواب ومدى صحة تمثيلهم للشعب بينما نتجه لانتخاب ابن العشيرة بغض النظر عن كفاءته.
ختاما. أرى أن تهتم العشيرة بالجانب الأجتماعي وتدع الجانب القانوني للدولة التي ابرمت معها الأتفاق كما أشار ألأخ أمجد المجالي في رسالته الى دولة رئيس الوزراء ونشرتها عمون على صفحاتها. وهنا أتوجه بالشكر الى الشيخ طلال صيتان القاضي على ما تفضل به, والأستاذ أمجد المجالي على ما أتحفنا به في رسالته الى دولة رئيس الوزراء وخاصة حول العشيرة.
لندعوا الله جميعا مخلصين أن يحفظ الله اردننا قيادة وشعبا وعشائر, وان تكون هذه السنة خيرا وبركة عليه وليقى الأردن دائما أولا ويبقى الأردنيون أهل العزم والهمة.
alkhatatbeh@hotmail.com
* سورة الحجرات آية 13
** سورة الشعراء آية 214
*** الأستاذ أمجد المجالي : الأمين العام لحزب الجبهة الأردنية الموحدة." رسالة المجالى للرفاعي" عمون