'أوراق الحب': تجربة إماراتية تستحق التأمل .. يحيى القيسي
29-05-2010 05:51 AM
لست حريصاً على متابعة المسلسلات التلفزيونية، العربية أو حتى التركية، في ظل توفر خيارات أخرى كالأفلام السينمائية والانترنت ومشاغل الحياة التي لا ترحم، ثم ليس لي طول بال أيضا على الانتظار والمتابعة الطويلة، لكنّي اعترف بأنّ المسلسل الإماراتي' أوراق الحب ' شدني إليه منذ حلقاته الأولى، ربما لأنه حرّك في أعماقي الرغبة في التعرف على كيفية تناول الدراما الجديدة لأبوظبي الإمارة العصرية بكل عناصرها الجمالية والمعمارية والتراثية، ولهجة أهلها المميزة، عبر نسيج مفرد له خصوصيته، وقصة شائقة مأخوذة من الحياة بكل تنوعها وثرائها، وفي الحقيقة فقد نال المسلسل نسبة عالية من المشاهدة ربما لم تتوفر إلا للمسلسلات التركية المدبلجة، وحقق حضوراً كبيرا على شبكة الانترنت من خلال اليوتيوب، والفيس بوك، ومواقع أخرى عديدة، إضافة إلى أن مقدمته الغنائية الممتعة لحنا وأداء وكلمات التي كتبها الشاعر الإماراتي محمد سعيد الضنحاني قد أصبحت رنات هاتفية يتداولها الشباب، وينبغي الإشارة هنا إلى جهود تلفزيون أبوظبي وفريق العمل من الممثلين الإماراتيين والخليجيين والعرب المتميزين، وأيضا تلك القدرات العالية في الإخراج التي أبدعها إياد الخزوز الذي نال قبل فترة قريبة الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة التلفزيوني عن مسلسل إماراتي آخر هو 'للأسرار خيوط' .
ما أود الإشارة إليه هنا أن هذا المسلسل أعاد الوهج للدراما الإماراتية لكي تكون لها خصوصيتها، لا أن تؤخذ بشكل عام ضمن الدراما الخليجية فحسب دون هوية واضحة، وهذا الأمر جاء من خلال أمرين مهمين أولهما التركيز على لهجة الممثلين، بحيث يتم تفادي الأخطاء التي تورد عادة في المسلسلات، والتركيز على لهجة الإمارات عموماً وإمارة أبوظبي تحديدا، وهو أمر يعزز الهوية الوطنية في بلد تتواجد فيه نحو 200 جنسية من شتى أنحاء العالم، إضافة إلى أنه ينبه العرب إلى المفردات الخاصة بالإماراتيين وطريقة لفظها، أما المسألة الأخرى فتتعلق بإظهار المعالم الحضارية التي تتميز بها إمارة أبوظبي من شوارع وشواطىء وأسواق وتراث غني، فالصورة المأخوذة عن أبوظبي للذين لم يزورونها من العرب والأجانب غائمة ومضللة وتكاد لا ترى فيها غير الصحراء والنخيل، ولا يجري الانتباه أيضا إلى أنها حاضرة عصرية على أحدث المعايير العالمية تشكل نحو 85 من الإمارات سكانا ومساحة، ناهيك عن وجود العاصمة فيها، ومدينة العين التي تعد حديقة الخليج، والصحراء الشاسعة والواحات الساحرة في ليوا، ونحو 200 جزيرة طبيعية بكر، ولهذا يرى من يشاهد المسلسل الصورة الجديدة والحقيقية لأبوظبي، كمدينة ذات جمال باهر وخصوصية تميزها عن العواصم العربية والعالمية!
أما قصة المسلسل فتتشابك فيها الخيوط لكن الحب هو الذي يبرز عالياً كثيمة محركة للأحداث، وبالطبع فإن الشخصيات الفنية هي شخصيات مركبة في العادة، مثلها مثل الشخصيات الروائية، فيها من الواقع والخيال معا، وليست نسخا طبق الأصل عن شخصيات موجودة من لحم ودم، فالفن في النهاية يصنع عوالمه الخاصة به، ويظهر الجماليات التي توصل رسالته بالطريقة التي يراها مناسبة، وليس المطلوب منه أن يجمّل أو يشوه، بل أن يكون على الأقل قريبا من الواقع يظهر ما فيه من أحداث متشابكة تقوم على عناصر الصراع لأنه بدون الحبكة وتعقيد الأحداث، سيكون العمل مملاً، وغير قابل للمشاهدة، وفي النهاية فإن المسلسل استطاع أن يحقق هذه المعادلة، وأن يوصل رسالته إلى المشاهد بكل نجاح.
أعتقد أن في الإمارات الكثير من القصص التي تروى، والأحداث التي تسجل، وثمة ملحمة حقيقية جمالية لإنشاء معالم ثقافية وسياحية ومعرفية كبرى تسابق الزمن لوضع أبوظبي في مكانها الصحيح على الخارطة العالمية، ويسجل لمسلسل ' أوراق الحب' أنه يتفهم هذا الأمر، وينسجم مع هذا الاتجاه، بكلّ سلاسة ودون خطابة فجة، فالدراما في النهاية قادرة على التأثير وفعل الكثير.
القدس العربي