facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مدينة السلط حرة لا تخضع لأحد


أمل محي الدين الكردي
14-02-2022 10:22 PM

مر الرحالة السويسري جون لويس بيركهارت والمعروف بالحاج ابراهيم في عام 1812م وسجل ملاحظات بحثه ومنها بحثه عن السلط الذي اعتز بأهلها وكتب عنها وعن مدن اردنية أخرى وكانت ترجمة كتابه لها معاني وادلالات جميلة فمنها

وقد لاحظ بيركهارت الذي نزل ضيفا عند مرافقيه أن الجيران يتعاركون فيما بينهم لاستضافته وإكرامه، أما السلط فيقول عنها (هي المدينة الوحيدة المأهولة بالسكان في منطقة البلقاء، وتكاد تكون مستقلة عن أية حكومة، ولا تتبع أية ولاية، وقد حاصرها باشوات دمشق وآخرهم عبد الله باشا الذي حاصرها ثلاثة أشهر دون طائل، وبقيت السلط حرة لا تخضع لأحد..).

وقد قدر بيركهارت أن المدينة تتكون من 400 عائلة مسلمة، وثمانين عائلة من النصاري يعيشون في وئام تام، وأن هناك كاهنَيِنِ يقودان الصلاة في كنيسة صغيرة باسم العذراء (ويتقاضي الكاهنان مبلغ أربع جنيهات سنويا يجمعهما أهالي السلط، والعجيب أن المسلمين يدفعون جنيهين من الأربعة المذكورة،ونصاري السلط غير متمسكين بدينهم، فهم قليلوا الصلاة والصيام، فقد شاهدتهم يأكلون المنسف، المكون من اللحم والسمن أثناء الصيام الكبير لامبالين، وأكثرهم يحلف بالقرآن ويصلي علي النبي).

ويروي بيركهارت بدقة أن أهالي السلط غالبيتهم من المزارعين والتجار، وأن العنب هو الفاكهة الأبرز، حيث يجري تجفيفه، ويبيعون الزبيب إلي تجار القدس، كما أنهم يجمعون السماق من الجبال ويجففونه ويصدرون منه حمولة 500 جمل سنويا إلي أسواق القدس أيضا، وبالنسبة إلي الفحيص فقد بدت لبيركهارت حينئذ مخيما لأهالي السلط لجمع محصول العنب في الصيف، ورأي أنها عبارة عن مكان أثري، وبها نبع ماء غزير، وبناء مسقوف بأقواس يصلي فيه النصاري أحيانا، وكان حظه جيدا إذ وجد من أهالي الفحيص من يرافقه إلي عمان، بعد أن بدا له الأمر مهلكا ولم يقبل أحد من السلطيين مرافقته إليها لخطورتها، وفي السابع من تموز (يوليو) 1812 وصل عمان عن طريق الحمر، ورأي آثار خلدا، وظهرت له عمان واديا يعبره نهر (والنهر مليء بالأسماك، وعلي الضفة الجنوبية منه يقوم مسرح كبير، وهو أكبر مسرح رأيته في سورية)، ووصف بدقة الآثار التي هناك، وصعد إلي جبل القلعة ووصف ما عليه أيضا وخلص إلي القول (أنا أعرف تماما أني لم أوف عمان حقها من الوصف، ولن يوفيها حقها أي رحالة إذا لم يكن يشعر بالأمان خلال بحثه ووصفه، وأنصح أي رحالة يريد أن يطلع اطلاعا كافيا، ويصف ما يراه وصفا تاما أن يصطحب معه ثلة من الحرس المسلحين بالبنادق تواكبه أينما ذهب، وتقف عند رأسه إذا جلس ليكتب أو ليرسم). ويبدو أن بعض القبائل البدوية كانت تسيطر علي خربة عمان كما وصفها، وأن القدوم إليها محفوف بالمخاطر، وهذا يفسر سر عدم قدوم السلطيين إليها، كما أن مرافقه الفحيصي والفارس الذي معهما قد ولا مدبرين وتركا بيركهارت (يقوم بكتابة ما علي الأحجار،والتجول بين الخرب كالمجانين)، عندما أحسا بقدوم بعض البدو، وسرعان ما عادا إليها وغادرا معا نحو صافوط مرورا بخربة الجبيهة، وآثار سهل البقعة الرومانية كما يروي أنه توجد مدينة أثرية تدعي ياجوش إلي الشمال الشرقي من صافوط وبها بعض الأبنية الحجرية الكبيرة، ثم عاد إلي السلط لبضعة أيام أخري قبل أن يجد دليلا يقوده إلي الكرك.

الكركيون علي المذهب الوهابي

في منتصف تموز (يوليو) من عام 1812 وصل بيركهارت إلي الكرك بعد وصفه للطريق إليها من مادبا مرورا بالموجب ومضارب عرب بني حميدة، والربة والياروت، وكان يصف المسافات بالساعات، ما أن دخلت باب المدينة الشمالي حتي تجمهر علي حشد كبير من أهل البلد المضياف، وكل واحد يستبق الآخر إلي الإمساك بعنان جوادي، والكل يريدني ضيفا، وبالطبع لم أستطع تمييز المسلم من النصراني..

وتبدو مسألة الدين عنده مهمة حتي لا يتعرض لأي أذي أو سوء فهم نتيجة خبرته السابقة في بلاد الشام، ولكن وجوده في حوران من قبل والسلط، وأخيرا الكرك جعلته يدرك روح التسامح المتوثقة بين أبناء الديانتين في هذه البلاد، وقد بقي ففي المدينة ضيفا عشرين يوما، ووصف قلعتها وينابيعها، أما سكانها فيقول عنهم تعيش في الكرك 400 عائلة مسلمة، و150 عائلة مسيحية، ومسلمو الكرك خليط من أرجاء سورية الجنوبية، ولكن أغلبهم من الخليل ونابلس، أما النصاري فهم من نسل لاجئين من القدس وبيت لحم وبيت جالا وبالطبع تحتاج معلومات بيركهارت هنا إلي تمحيص المؤرخين، والباحثين الأردنيين، فربما استقي معلوماته كرحالة غربي من بعض القرويين شفويا دون توثيق، و يلجأ أيضا إلي الحديث عن قبيلة بني عمرو البدوية التي كانت تحكم الكرك ثم هزمت علي يد تجمع للعشائر الكركية والحويطات قبل ثلاثين سنة من وصول بيركهارت،كما يصف أيضا شجاعة نصاري الكرك في مقاومة عرب الرولة في إحدي الغزوات، ومن طريف ما يرويه أيضا أن الكرك كانت تعتنق المذهب الوهابي لأربع سنوات بضغط من ابن سعود وجماعته وقد منح ابن سعود شيخ الكرك يوسف المجالي لقب أمير علي جميع بدو المناطق الواقعة بين دمشق والبحر الأحمر،كما فوضه بمحاربة الأتراك (الكفرة) كما هم في عرف الوهابيين.. على حسب روايته.

ويبدو أن ابن سعود قد أرسل في ذلك الوقت بعض مبعوثيه إلي الكرك وأثناء وجودهما في الكرك التزم المسلمون الكركيون بتعاليم المذهب الوهابي فقد منع التدخين كليا، وأصبحوا يذهبون خمس مرات للصلاة في المسجد مع أنهم عادة لا يصلون أبدا باستثناء الشيخ.. ويبدو الدين في تلك الفترة المبكرة لم يأخذ حيزا حقيقيا لا عند المسلمين أو المسيحيين سواء علي مستوي الطقوس أو التفكير والنصاري هنا لا يؤمون الكنيسة، ولا حتي في أيام الآحاد، ولا يصومون أبدا، ومعهم حق في ذلك، فالكاهن يتلو القداس باللغة اليوناينة وهم لا يفقهون حرفا مما يقول

وينتبه بيركهارت إلي بيوت الكركيين وتجارتهم،ومحاصيلهم، ويبدو أن استعمال النقود كان نادرا فالبيع كان يتم بالمقايضة، ويروي أن جميع تجار الكرك هم من أهل الخليل، كما كان الكركيون يشترون الرقيق (الزنوج وغيرهم) من الحجاج القادمين من الحجاز، وقد وصل بيركهارت إلي غور الصافي والمناطق التي تجاوره، ووصف أحوال الغوارنة البائسة بسبب الفقر والحرارة والأمراض، ويصف أيضا اشجار المنطقة ومعادنها، وخصوصا القار الذي يخرجه البدو من البحر الميت، ويبيعونه، وهو أمر يدل علي تواصل حقيقي مع ما كان الأنباط يفعلونه من قبل.

في 4 آب (اغسطس) 1812 غادر بيركهارت برفقة الشيخ يوسف المجالي وأربعين فارسا إلي خارج الكرك باتجاه الطفيلة،وقد مر علي كثربا والعراق وخنزيرة الطيبة حاليا وقد استفاد من هذه الرفقة بخبرات عن البدو وحياتهم وأفضل وسيلة للتعامل معهم، وقد وصل الطفيلة يوم الثامن من آب (اغسطس)، ويروي أن بها 600 بيت، و99 نبعا، وبساتين فاكهة وأشجار زيتون كثيرة، وكان الأهالي يجففون محصول التين في قوالب ضخمة ويصدرونها إلي غزة، أما حيوانات الطفيلة وطيورها التي انتبه لها بيركهارت هي نسور الرخمة، والغربان والخنازير البرية، والماعز البري أو البدن وكذلك طيور القطا، وبالطبع يشير الرجل إلي كرم أهل الطفيلة الذي لا ينسي، وقد غادرها باتجاه بصيرة، ووصفها مع ضانا وصلفحة، وسلمه الشيخ المجالي إلي أحد مضارب الحويطات، وأوصي به خيرا،وقد قاده أحد الأدلاء بعدها إلي الغوير وأخيرا الشوبك وقلعتها الشهيرة التي كانت مأهولة من مائة عائلة من الملاحيم ، وثمة مخيم لبدو الهباهبة إلي الشرق من القلعة كما يذكر، أما عرب الحويطات فقد كانوا قد تخلوا عن المذهب الوهابي الذي اعتنقوه لسنة واحدة، وأصبحوا من أنصار محمد علي باشا، كان هدف بيركهارت أن يصل وادي موسي ليشاهد الآثار التي كان قد سمع عنها من الناس الذين قابلهم في ترحاله، ومن هناك ينطلق مباشرة إلي القاهرة، وكان قد أمضي ليلة في مضرب خيام الرفايعة المتخصصين بزراعة العنب وتصدير الزبيب لغزة، إضافة إلي شجاعتهم المعروفة كفرسان.

البتراء أعجوبة من صنع الجن

وفي 22 آب (اغسطس) وصل الرحالة السويسري إلي وادي موسي التي يسكنها عرب اللياثنة، وقد أشار

عليه دليله أن يقدم ذبيحة نذرا لهارون فوق كومة من الحجارة مثل عادة الأهالي والزوار، ولكن بيركهارت أصر علي ذبحه بجوار الضريح تماما (كنت وحيدا بلا حماية في مكان لم يدخله أجنبي أو سائح من قبل،وإذا قمت بفحص هذه الآثار أو رسمها أو كتابة شيء عنها أمام هؤلاء الأعراب الذين يحفون بي فإن فهمهم الوحيد لتصرفي هو أني ساحر أقرأ الطلاسم وأدمدم لأخرج الكنوز الدفينة في هذا المكان، وفي هذا الحال سيقومون بضربي وتعذيبي لأقاسمهم الكنوز أو أدلهم علي أمكنتها وإذا أبيت أو أنكرت معرفتي بذلك أو حاولت شرح مهمتي لهؤلاء السذج فإنهم سيسلبوني متاعي ويمزقوا أوراقي التي هي أهم ما أحرص عليه في حياتي). ويبدو أن هذا الشاب ذي الثمانية والعشرين خريفا القادم من صقيع أوروبا قد بالغ في الأمر، أو أن السيناريو الذي ذكره كان في خياله أكثر مما كان في الواقع، وفي يوم 23 آب (اغسطس) دخل إلي البتراء مرورا بالسيق، وقد بدأ وصفه له ولحجارته، ولقنوات الماء علي جانبيه، ويروي ساخرا أن دليله أخبره أن كل ما يراه هو من صنع الجن، وقد هاله رؤية بناء الخزنة المنحوت بالصخر بعد أن مل من جدران السيق، فمنظرها (يخلب اللب لجمال نحته، وحسنه الذي لا مثيل له في جميع الآثار التي شاهدتها في سورية، ولم تؤثر عليه حوادث الأيام فكأن النحاتين قد تركوها لتوهم لتناول الغداء، وأستطيع أن أؤكد أن أي فنان مهما عظمت مكانته في العصر الحديث أو القديم لا يستطيع أن يدعي أن بإمكانه الزيادة أو التعديل على هذا الأثر الجميل شيئا لأنه كامل، وأثر بالغ العظمة).

انطلق بيركهارت بعدها في التجول في المدينة وزيارة أضرحتها، وكان يسجل ملاحظاته، والقياسات والأعداد التقريبية بالنظر، فقد كان يخشي أن ينظر له كباحث عن الكنوز أو أحد الكفرة الإفرنج ، ولما أن أقبل الليل قبل الوصول لضريح هارون اكتفي بيركهارت ودليله بذبح الشاة في السهل القريب منه وعادا دون رؤية الآثار القريبة من الضريح (وقد تعلمت أن على الرحالة أن يري كل بعينيه أما أقوال البدو فلا يعتد بها، فهم يبالغون في وصف الأشياء التافهة ولا يأبهون بالأشياء الجديرة بالدراسة والاهتمام،.... وقد ذكر المؤرخ الروماني يوسيبوس أن قبر هارون يقع قرب مدينة البتراء العربية وهذا ما اقتنعت به تماما، ويعطي البرهان علي أن وادي موسي هو مدينة البتراء وأنه لا توجد آثار بين البحر الميت والبحر الأحمر سوي هذه الآثار، ومعنى هذا أنني أول مكتشف أوروبي يرى البتراء).

وهذا ما كتبه الرحالة في رحلته وهذه ترجمته وما زال الكثير الذي لم يكتب عن بلادنا الغنية والثمينة بالقصص وغيرها ممن هو مجهول





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :