facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ميلان الأمم المتحدة


علي الزعتري
05-05-2022 11:23 AM

بمن يُمَثِلُّها أعني. و ما يعني ذلك. قصةٌ من رأي العينِ والتعامل في عراقِ التسعينات بعد حرب الخليج الأولى.

كانَ للأممِ المتحدة في العراق منذ نهايات الخمسينات من القرن الماضي تعاونٌ وإنجازٌ مثاليان في دولةٍ تبني قدراتها البشرية لتعزز مساراً تنموياً يرفده ثرواتٌ مميزة. كان النفط أشهرها وكانت الزراعة من ثم الصناعة ويرافقها ميلادُ الآلاف من الأكاديميين والمهندسين والأطباء والتقنيين والفنانين والحرفيين الماهرين. منظمات الأمم المتحدة أفتتحت مكاتب لها في العراق والكل يذكر استضافة العراق للجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا في بغداد بعد تعذر عملها في بيروت جراء الحرب الأهلية وانتقالها المؤقت إلى عمَّان. وفَّرَتْ وقتها الحكومة العراقية بلا مقابلٍ مادي مبنىً فخماً للإسكوا، بل قُلْ صرحاً مع كل التسهيلات التي تطلبها لأداء عملها. وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أوائل البرامج التي عملت في العراق بِمَقَرٍّ أنيقٍ يطلُ على نهر دجلة في شارع أبي نواس.

لكن مصير الأمم المتحدة شاء أن يتغير جذرياً بعد غزو الكويت عام ١٩٩٠ وحرب الخليج الأولى العام الذي يليه وفرض أشرس نظام عقوباتٍ على العراق والعراقيين. عقوباتٌ صنفتها جهاتٌ متعددة أنها لا إنسانية واستدعت استقالة مسؤولين قادا أعمال الأمم المتحدة في العراق، الألماني هانز ڤون سپونيك والإيرلندي دينيس هاليداي. كلاهما كتبا عن تجربتهما واتهما المجتمع الدولي بارتكاب جريمةٍ بحق العراق عبر هذه العقوبات. كلاهما تحدث في الإعلام وكلاهما تم تجاهله. ومع تصاعد المصاعب المجتمعية والاقتصادية وتشرذم العراق وحصاره إلا من منفذٍ عبر الأردن، بدأت أطيافٌ من العراقيين تنحني تحت وطأة الفقر وتحولت الأمم المتحدة لتقدم معوناتٍ إنسانية من غذاء ودواء بينما انحسرت برامجها التنموية أو توقفت واضطرت الإسكوا للخروج من بغداد تاركةً وراءها ذلك الصرح خاوياً.

عَيَّنتْ الأمم المتحدة ممثلها الإيطالي فرانشيسكو غيلتاريو فولكيري في العراق واستبشرنا خيراً به وكنتُ أعرفهُ فهو يأتي من رَحِمِ البرنامج الانمائي ويعرف المنطقة العربية ويتعاطف معها. وازداد استبشارنا به عندما زارنا بمقر البرنامج بأبي نواس وخاض معنا في نقاشٍ عن النشاطات التي يمكنُ القيام بها. وبدأنا فعلاً عملاً مميزاً لإعادة تشغيل مرافق مدنية مختلفة. لكن فولكيري عادَ بعدَ مهمةٍ له إلى جنيڤ لِيُخبرنا بقرارهِ وقف كافة الأعمال التنموية ونِيَتِهِ قفل مكتب البرنامج الإنمائي في العراق لعدم توافق عمله مع العقوبات الأممية على العراق وضرورة التركيز على العمل الإنساني لا التنموي. أرادت الدول هذه العقوبات عقاباً للحكم ولكنها تحولت جحيماً للعراقيين. لم يقل فولكيري لماذا تبنَّى هذا الموقف الحاد والذي وصل معه للصياح في اجتماعاتنا لكنه رأى تناقضاً بين عقوباتٍ لا تسمحُ عنده إلا بالمعونات الإنسانية وتنميةً تُجازفُ الأمم المتحدة إن ساندتها فتكسر العقوبات وبالتالي تُغضبَ الحلف الدولي ضد العراق الذي يستحق العقاب لغزوه الكويت. لم يرَ طريقاً وسطاً بين الحاجة للمعونةِ الإنسانية وحق الإنسان في العمل والنماء. ولم نفهم كيف يتحول الرجل من ضفةٍ لِضفة في فهمه وفي غضون شهور قليلة. كل ما رأيناه وسمعناه إصراره إنهاء عمل البرنامج الإنمائي. في نهايةِ المطاف لم ينجح بمسعاه فقد اجتهدنا لمنعهِ والفضلُ في ذلك يعود للراحل العربي الليبي الدكتور علي عتيقة وهذه لها روايةٌ لوحدها.

ذهبَ فولكيري بعد فشله وعُيِّنَ مكانهُ المغربي محمد الزجاري وهو مُتمَرِسٌ في الأمم المتحدة وكَيِّسٌ هادئٌ في التعامل أخذ الأمم المتحدة الإنسانية والتنموية في العراق من رُكنِ المواجهة مع البلد لركن التفاهم والعمل المُلاحِظ لحساسياتِ الحكومة والشعب المتألم من العقوبات، بل من الدنيا بِأسرها. حصلَ هذا في ذاتِ الوقت الذي كانت فيه فرق التفتيش الأممية تخترقُ العراق بقيادة مفتشها سكوت ريتر، وتزرع كراهيةً للأمم المتحدة لم يشهدها تاريخ الأمم المتحدة. وكما تعلمون فقد عاد سكوت ريتر من رحلته هذه ليصبح داعيةً ضد سياسةِ بلاده!

كانت قصة فولكيري والزجاري التي عايشتها يوماً بيومٍ دليلاً على أن استشراف شخصية ممثل الأمم المتحدة قبل تعيينه لها نصيبٌ كبيرٌ في الفشل والنجاح حتى في أصعبِ الظروف وأن دور الأمم المتحدة ليس بالانحياز ولكن بالعدل والإيجابية وتشكيل الفرص لا خلق المعيقات. أن دورها ليس فقط لتوزيع الطعام وخلق اعتمادٍ على الهبات ولكن في إعطاء الناس حق التنمية. كان هذا قبل القمم الدولية التي أقرَّت أهداف التنمية لكن حتى بعدها وجدنا ميلاناً لدى الأمم المتحدة عندما أوقفت بضغوط المانحين وكذلك الخوف منهم أعمال التنمية الخاصة بها في سوريا و سمحت بالمعونات الإنسانية. و لنا لسوريا و الأمم المتحدة رجعةٌ بمقالةٍ تالية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :