عمون - الحضارة هي مفهوم قديم يعود إلى تاريخ وجود الإنسان على الأرض. لا يمكن أن تكون هناك حضارة من دون وجود الإنسان، والإنسان لا يمكن أن يكون بدون تاريخ. الحضارة هي جزء من التاريخ، ولكل حضارة تاريخها الخاص، ولكل إنسان حضارته الفريدة.

تعريف الحضارة يمكن أن يختلف وفقًا لعلماء الأنثروبولوجيا، وقد قال رالف بدنجتون أن الحضارة هي مجموعة من الأدوات المادية والفكرية التي تمكن الشعب من تلبية احتياجاته الاجتماعية والحياتية والتكيف في بيئته. وعرّف إدوارد تايلور الحضارة بأنها المجموع الشامل الذي يحتوي على المعتقدات والقيم والتقاليد والقوانين والمعلومات والفنون وأي عادات أو سلوكيات أو إمكانيات يمكن أن يحصل عليها الفرد في مجتمع ما.

يمكن تعريف الحضارة في النهاية على أنها إرث المجتمع المادي والروحي الذي تركه في الماضي ويعتمد عليه لتطوير حياته وتقدمه الحالي، سواء كان ذلك في مظاهر المعيشة اليومية والعلوم والمعارف أو في الأدوات والوسائل المادية التي تحمل آثار وجوده.

نشأت الحضارات في البداية على أسس قبلية، حيث استندت إلى قوة الروابط العائلية والقبلية. ثم تطورت لتتحول من النطاق القبلي إلى النطاق الديني الذي يضم عدة قبائل. ومن ثم تطورت للنطاق السياسي الذي ساهم في دمج مجموعات معزولة مع مجموعات أخرى. وقد وضعت على مر العصور عدة نظريات لشرح نشوء الحضارات.

من بين النظريات المشهورة لنشوء الحضارات هناك:

نظرية البيئة: تشدد على أهمية العوامل البيئية في تشكيل الحضارات وتطورها، مثل التربة والمناخ والموقع الجغرافي.

نظرية ابن خلدون: يعتبر ابن خلدون البيئة والمناخ عوامل رئيسية تؤثر في سلوك الإنسان وتكون لها تأثير على تطور الحضارات. كما ركز على أهمية علم الاجتماع والعلاقات الاجتماعية في تشكيل المجتمعات.

نظرية فيكو: تؤكد على وجود قوانين موحدة تؤثر في تشكيل الأمم والشعوب، وتشير إلى أن هذه القوانين تظهر في الثقافة والتقاليد والعادات التي يشعر بها أفراد المجتمع دون أن يكونوا على علم بالتأثيرات الأخرى.

نظرية الجنس أو العرق: تؤكد على أن العوامل الجينية والبيولوجية تلعب دورًا في تشكيل الحضارات، وأن كل ثقافة لها خصوصيتها ومميزاتها الفريدة.

نظرية التحدي والاستجابة: تركز على دور الظروف الصعبة والتحديات في تعزيز الحضارات كاستجابة لهذه التحديات.

بالنسبة للثقافة، تعرف بشكل عام على أنها المعتقدات والقيم التي يمتلكها مجتمع ما، وتشمل الجوانب الروحية والفكرية والفنية. تتأثر الثقافة بالحضارة وتتجلى في اللغة والفلسفة والعلوم الإنسانية والفنون.

هناك بعض الاختلافات بين مفهومي الحضارة والثقافة، حيث إن الحضارة تعتبر نتيجة ملموسة وظاهرة للتأثيرات المختللة في المجتمع، بينما الثقافة تشير إلى المعتقدات والقيم التي يمتلكها المجتمع. الحضارة تشمل الجوانب المادية والروحية، بينما الثقافة تشمل الجوانب الروحية والفكرية والفنية.

علاوة على ذلك، الثقافة تركز على الفرد وتعكس التصورات والمفاهيم الفردية، في حين أن الحضارة تركز على المجتمع ككل وتعكس تنظيمه وتطوره. الحضارة تشمل المؤسسات والنظم التي تنظم المجتمع، بينما الثقافة تتعلق بالعادات والتقاليد والعلوم والفنون التي تمتلكها المجتمع.

بشكل عام، يمكن اعتبار الحضارة كإطار أو هيكل شامل يضم الثقافة والعديد من العوامل الأخرى، بينما الثقافة تمثل جزءًا من هذا الإطار وتركز على الجوانب الفكرية والروحية والفنية.