facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التعريب درس في عبقرية الحُسين


د. بسام البطوش
01-03-2023 12:11 PM

"وشُوّهت قضية غلوب، وجرى تأويلها بطريقة خادعة ماكرة، فقد كنت أنا الذي قرر عزل غلوب، ولكن سائر الطامحين الطامعين جعلوا ينسبون لأنفسهم مسؤولية هذا العمل، كانوا يزعمون بأنهم هم الذين طردوا (الامبريالية) وجاءوا بالحرية إلى الأردن، كانوا في اقتتالهم من أجل السلطة وفي تعجلهم على استيفاء (مستحقاتهم) يشوّهون ويُفسدون ملامح التاريخ".. ( الحسين بن طلال).

(1)يوم خالد...
يستحق الأول من آذار 1956 أن يُنظر له كأحد أيام الحسين والأردن الخالدة، وأن يُدرس كنموذج في فن القيادة وصناعة التاريخ؛ فلم يكن من السهل في ظل ظروف الأردن وموازين القوة السائدة، وفي ذروة الصراع الدولي على المنطقة العربية، وتسارع سباق الأحلاف والتسلح، أن يُقدِم ملك عربي شاب- في الحادية والعشرين من عمره، لم يُمضِ في الحكم أكثر من ثلاث سنوات، وعلى بُعد أشهر معدودة من خروجه من عين العاصفة في أزمة حلف بغداد، وما رافقها من تأجيج للشارع الأردني، وسرعة قيام الحكومات وتساقطها- على قرار خطير بتعريب قيادة الجيش العربي، والاستغناء عن خدمات الجنرال البريطاني جون باغوت غلوب (John Bagot Glubb) ) رئيس الأركان وعدد من كبار الضباط البريطانيين، وما يعنيه هذا القرار من اصطدام مباشر بالإمبراطورية البريطانية.

(2) لماذا التعريب؟.
تأكدت قناعة الحسين أن هذه الخطوة متطلب لإستكمال إستقلال المملكة، وقد راكم ملاحظاته وخبراته عن القيادة البريطانية للجيش العربي خلال السنوات الفائتة من حكمه، من حيث عدم فتحها المجال أمام ترقية الضابط الأردنيين لرتب أعلى في جيشهم، وتخطيطها للبقاء لمدة ثلاثين سنة قادمة على رأس قيادة الجيش، وضعف اهتمامها بالتسليح والتدريب وتعزيز مخزون الذخيرة، وضعف الاجراءات المتخذة في مواجهة الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الخطوط والقرى الأمامية في الضفة الغربية، كما خالجت الملك الشاب المشاعر ذاتها التي خالجت منسوبي الجيش العربي وعموم الشعب، بأن وجود قيادة بريطانية على رأس الجيش العربي يشكل استفزازاً للجميع، وقبل هذا ومعه، هناك أشواق ومشاعر ملك عربي هاشمي شاب يستند لموروث ديني وقومي عروبي عريق، ويحمل بين جنبيه أماني شعبه وتطلعه لتحرير جيش بلاده من القبضة الأجنبية ممثلة بالجنرال الإنجليزي العجوز .

(3) صدمة القرار وتداعياته..
اندهش غلوب باشا للقرار، وبضرورة مغادرته عمّان فوراً وفي موعد أقصاه الساعة السادسة من صباح اليوم التالي 2 آذار، وحاول ومعه السفير البريطاني إقناع الملك بتأجيل القرار، وبعث غلوب برقية إستغاثة لرئيس الوزراء البريطاني السير أنطوني إيدن (Anthony Eden)، يطلب تدخله لدى الملك الحسين لإمهاله مدة اسبوع ؛ فهو يقيم في الأردن منذ 1924م، ولديه متعلقات يجب أن يصفّيها، ولا يمكنه المغادرة بهذه السرعة، وتلقى الحسين طلباً من إيدن (Anthony Eden) بتأجيل القرار بعض الوقت لبحث الحالة، لكن الحسين رفض التأجيل وأصرّ على التنفيذ الفوري لقرار يدخل في صلب أعمال السيادة الوطنية بإنهاء التعاقد مع هؤلاء الضباط.

وفي محاولة تفسير بريطانيا للقرار آمنت بأنه جاء بتأثير الدعاية المصرية الناصرية وبضغط من أو بتفاهم مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وهذا ما عبّر عنه إيدن في مذكراته ( Full circle: the memoirs of Anthony Eden)، كتب فصلاً بعنوان (Jordan, March 1956 )، وأيده غلوب باشا في كتاباته وتحليله لما جرى، وهو التفسير ذاته الذي صارح به السير سيلوين لويد (Selwyn Lloyd) وزير الخارجية البريطانية الرئيس عبدالناصر في صبيحة يوم 2 آذار عندما التقاه في القاهرة، وكان لويد مصراً على أن القرار جاء بعلم مصر وبضغط منها، لكن المفارقة، أن عبدالناصر كان قد علم للتو وقبل دقائق من الاجتماع بالقرار، واعتقد بدوره أنه وبالنظر لموازين القوة؛ فإن القرار جاء بتفاهم بين الملك الحسين وبريطانيا لتقوية موقف الملك بعد أزمة حلف بغداد ورحيل المارشال تمبلر خائباً عن عمان، وعبر للسير لويد عن هذا الإعتقاد صراحة! وهنا تصادمت التوقعات البريطانية والمصرية، وتبادل الطرفان الاتهامات بأن كل منهما يقف خلف القرار أو كان على علم مسبق به، والحقيقة كانت هنا في عمّان كامنة في عقل وقلب ملك عربي شاب أتقن تلقين الجميع دروساً في صناعة التاريخ! وقلب المعادلات رأساً على عقب! ومن المفارقات، وفي عمّان ذاتها، أن خرجت الأحزاب اليسارية والقومية والقوى المتأثرة بالدعاية الناصرية والمنضوية تحت عباءتها، تؤيد قرار التعريب وقد حشرت صورة جمال عبدالناصر لجانب صورة الملك الحسين إعتقاداً منها بأن عبدالناصر ساهم في هذا القرار!! وأخال الحسين تأمل المشهد مبتسماً ومردداً في داخله: "ياليت قومي يعلمون"!!.

(4) خطوة تفضي إلى خطوات..
فتح قرار الحسين بتعريب قياد الجيش الباب أمام الضباط الأردنيين الشباب للترقي في الرتب العسكرية للحلول في المواقع القيادية التي غادرها الضباط البريطانيين، وجرى تعيين أمير اللواء راضي عنّاب رئيساً لأركان حرب الجيش العربي، وبعد أشهر خلفه في موقعه أمير اللواء علي أبو نوّار، بعد ترقيته من رتبة مقدّم، وجرت ترقيات للضباط الأردنيين لملء الفراغ، وكان عدد من هؤلاء الضباط الشباب محدود الخبرة، وعصفت بهم لذة الترقيات العاجلة، مما قادهم للاشتباك مع الحياة السياسية والعمل الحزبي، وتطلعوا لتجارب العسكر وانقلاباتهم في المحيط العربي بإعجاب، فعجّلوا في تدمير الحياة الحزبية وتجربة الحكومة الحزبية- البرلمانية في مهدها 1957م.

ومهّد القرار الطريق لتنفيذ خيار الحسين بإجراء انتخابات حرّة على أساس حزبي في خريف 1956م، مما أفسح الطريق لولادة حكومة حزبية-برلمانية 1956م، وتكليف زعيم الحزب الوطني الاشتراكي سليمان النابلسي بتشكيل حكومة إئتلافية من الأغلبية الحزبية البرلمانية، كما مهّد قرار التعريب الطريق إلى إلغاء المعاهدة الأردنية -البريطانية في العام التالي 1957م، وفتح الأبواب أمام تحسّن مؤقت في العلاقات الأردنية مع مصر وسورية؛ فكان توقيع اتفاقية التضامن العربي في القاهرة بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير 1957م بين الأردن ومصر والسعودية وسورية لتعويض الأردن بمعونة مالية عربية بديلة للمعونة البريطانية المفقودة بعد إلغاء المعاهدة، ولم يلتزم بها سوى السعودية! .

ورفع قرار تعريب قيادة الجيش من شعبية الملك الحسين على المستوى العربي، ولفت الأنظار إلى ملك شاب قام بخطوة جريئة لم يكن من السهل اتخاذها في بلد كالأردن بظروفه وبيئته الجيوسياسية، ودعني أقول بلا مبالغة، إن قرار الحسين بتعريب قيادة الجيش صنع البيئة وقدّم المثال وأثار الحماس للتأسي به في مصر ودنيا العرب، فجاء قرار الرئيس المصري جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس بتاريخ 26 تموز/ يوليو 1956م تالياً لقرار الحسين بتعريب قيادة الجيش بعدة أشهر، ومتاثراً به، سواء اعترفت الآلة الدعائية الناصرية وأدواتها بذلك أم لم تعترف.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :