facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الوحش الكامن


علي الزعتري
16-03-2023 10:54 AM

كنتُ أعمل بإحدى الدول العربية عندما حلَّ شهر رمضان الكريم وتحولت الحياة المكتبية الحكومية من النهار إلى الليل حتى أنني دُعيتُ لاجتماعاتٍ في منتصف الليل ليتبعها السحور! و اعتذرتُ عنها، لكن الذي رسخَ في ذاكرتي هو التحول وبكثرةٍ للغضبِ الشديد و اشتعالِ المشاحنات و اللكمات في الشارع، بسببِ الصيام!، وقتها عَللَّوا لي هذا التحول بالنزقِ المصاحب للحرمان من السجائر و القهوة مما يؤدي للنرفزة و العراك.

بدولةٍ اُخرى، من دون صيام، لاحظتُ انتقال الناس للعداءِ و الاعتداءِ بسبب تخَيُلهم لنظرةٍ لم ترُقْ لهم أو مُضايقةً لحظيةً بشارع، تندلعُ بعدها معركة دونها داحس و الغبراء، في عَمَّان رأيتُ معركةً أُستِدْعِيَ لها القنوات و اللكمات و منبوذ الكلمات بسبب وقفةٍ لسيارة لم تَرُقْ لأحدهم.

لاحظتُ في أغلب البلدان العربية التي مكثتُ فيها حِدَّةَ انتقال المرء من مُسايرٍ لِمُشاحنٍ و مُعارِكٍ من دون سببٍ يستحق، و الجهر ببذيء السباب، ولكي لا أظلمُ العرب، فالغربُ لديهِ مثالبَهُ و إن خلال عملي و معيشتي هناك لم أرَ العنفَ إلا نادراً و عبر الشاشات، عندنا أراهُ تقريباً كل يوم، و لا فَرْقَ في هذا بين الرجل والمرأة من حيث التعبير عن الغليان الداخلي.

الوحشُ الكامنُ فينا ينتظرُ على أَحَرِّ مِن الجمر لينفلتَ و يفترسَ، وعلى ما قد يكون توافهِ الأسباب، لا تعلمَ ما الذي سيقلبُ إنساناً سَوَيِّاً في المظهر لِكاسرٍ في لحظات فلا يرى أمام عينيهِ سوى الحاجةَ لتفريغِ الغضب على رأسِ ما يعتبرهُ غريماً، و المسرحُ المعتاد هو الشارع كبيراً عريضاً أم ضئيلاً ضيقاً كان، أنظُرْ بمرآة السيارة خلفك فلا تلحظَ تغييراً ثم خُذ لمحةً ثانيةً لترى وحشاً يطاردك و بعينين متقدتينِ تومضانِ غضباً، ليسَ بمقدورك الهرب لليمين فإذا هوَ خلفكَ يكادُ يلتصق بك، لا ترى وجهاً فالزجاج معتم ثم تَنْسَلَ لليمين عنه و يتجاوزكَ لكنهُ لا يتركك، فجأةً تراهُ أمامك يُشعلَ أضواء المكابح كأنه يقولُ لك اضربني!، وقد يقفُ فعلاً ليؤدبكَ على تحديه وقد ينالكَ مسَّبَةً عبر نافذة أو إشارةً نابية.

ثم تتفاجئ بكلمات المجاملة التي تنطلق من الأفواه، "حبيبي" و "خليها علينا" و "عشان خاطرك بس" و هي عكس الحقيقة بأغلبِ الأحيان، أنت الحبيب طالما لا يوجد شرارة أو همسة خلاف، و "خليها علينا" لا تنطلي على أحد، تخيل أن توافق أن تخليها عليه؟، وخاطري الذي هو من شأنهِ هو الخاطر المتكرر لكل من يلقاه، لا معانٍ سامية أو صادقة في هذه التعابير التسويقية، و يُثيرُ الانزعاجَ حقاً أن تسمع أحدهم يسألكَ أو يُفضي لك "ما بدي أغش وأكذب عليك" و هو يفاوضك لتصليحِ خرابٍ ما وكأن القاعدة هي الغش و الكذب و الصدق هو الاستثناء، تعابيرٌ امتزجت بالشخصية اليومية تُحيلُ الحياةَ لنفاقٍ من جهة و لمعركةٍ من جهةٍ، ولو اعترضتَ على حاجةٍ فسيتحول النفاق فوراً لشيء من الأخلاق لئيم.

لا تخلو الحياة من الخير و لا من الخَيِّرين و لا من مِسْكِ الكلام و عَنبرِ الأخلاق، لكن ندرتهم باتت ملموسةً و تَتَبُعَهمْ شاقٌ و متعبْ و الاستئناس بنبراسهم لا يطول، حتى سكينةَ المسجد تقطعها المحادثات الجانبية و رنَّاتُ الهواتف، ما هو الإيمان الملتزم الذي يجعلَ مُصلياًّ يأتي للصلاة بملابس النوم، أو يعطي ظهره للمنبر مستنداً إلى حائط و مادَّاً رجليه بوجه غيره أو يقفل الطريق على السيارات؟، و إن اعترضتَ فسينابكَ من التقريع ما لا ترضاه.

هناكُ فعلاً وحشٌ كامنٌ فينا وكأننا في حالةٍ من التنويم النفسي الذي يغطي حالةَ الغضب و ينفجر دون سابق إنذار، في الظاهرِ أناسٌ وبالباطن اشتعالٌ هادرٌ، هل هي التربية أم صعوبة الحياة، وهل لا تنفع المواعظ و الخطب و الدعوات؟، لا أدري ما هو المطلوب لتطويق هذا الوضع وتصحيحه لكن الحياةَ مُرهقةً بطيبةِ القلب وعذابٌ باستيعاب المكر والغضب واللامبالاة والنفاق.

قد يُقالَ إن التقييم هذا ليس صحيحاً وإن السلبيات استثناء لا قاعدة، لكنها استثناءاتٌ متكررةٌ وعديدة فتجعلها ظاهرةً من غير عناء.، و هي بحاجة لمن يعيدها استثناءً.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :